مـــدونـــة الأوهـــام الإســلامـــيــــة

{ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ، يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا }يعقوب 20:5

نتحدى من يستطيع تكذيب القرآن !!!

Posted by الرب معنا في 21/09/2010


 

نتحدى من يستطيع تكذيب القرآن !!!
سلام المسيح مع الجميع …

بما أن المُسلم البسيط الغلبان يُقدس كتاب مؤلف ويسميه بــ “قرآن كريم” وينسبه للخالق , فهل يستطيع تكذيب مايُقدسه ويثبت لنا بأن الكتاب المقدس مُحرف ..؟؟!

(1)

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” (الحجر: 9)

إننا نتحدّى أي إنسان يقول لنا أن القرآن أشار من بعيد أو قريب لتحريف الإنجيل بأي صورة من الصور، ونتحدى أن يقول لنا أحد أنه أشار لتحريف التوراة بمعني التغيير أو التبديل أو الإضافة أو الحذف!!!!
وقبل أن نبدأ في دراستنا لإثبات صحة وسلامة التوراة والمزامير (الزبور) والإنجيل، الكتاب المقدس، واستحالة تحريفه وبطلان نظريات النقاد، من جهات عديدة، نناقش هنا موقف القرآن وكتب الحديث والسيرة النبوية وما قاله المفسرون الأوائل في هذه القضية. ولكي نفهم هذه المسألة جيداً ونصل إلى نتائج علمية مدروسة نضع الأسئلة التالية كمدخل للبحث:
1 – هل قال القرآن أن ما كان موجوداً مع اليهود والنصارى من كتب في أيام نبي المسلمين ليست هي الكتب التي نزلت علىموسى وداود وعيسى؟
2 – وهل أشار من قريب أو من بعيد إلي تحريف حروف أو كلمات أو آيات محددة في التوراة أو الإنجيل، سواء بالزيادة أو النقصان أو الحذف أو الإضافة أو التغيير أو التبديل؟
3 – هل هناك آيات تتحدث عن تحريف حرفي في التوراة أو الإنجيل بمعنى التغيير أو التبديل؟
4 – هل رأى نبي المسلمين التوراة مع اليهود واستشهد بها وأحتكم بأحكامها؟
5 – كان مع ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة وقريب نبي المسلمين، العالم الحنيفي المتأثر بالنصرانية إنجيل يترجم منه من العبرية (السريانية) إلى العربية، فهل رآه نبي المسلمين أو قرأه ورقة الذي تعبد معه في غار حراء، في شهر رمضان، أكثر من 15 سنة؟
6 – وهل قال أحد من الصحابة الذين كانوا من أصل يهودي أو مسيحي، مثل ابن اسحق وسلمان الفارسي وغيرهم، بتحريف التوراة أو الإنجيل؟
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة نوضح أن هناك خمس آيات تتحدث عن تحريف اليهود لمعاني آيات التوراة ومعاني كلام نبي المسلمين ؛
1 – فما المقصود بذلك وكيف حدث وما هو رأي المفسرين الأوائل في ذلك؟
2 – هل هو التحريف اللفظي، بالتأويل والتفسير على غير المعنى المقصود أصلاً في كلمة الله؟ أم بحسب ما تصوره المسلمون من التحريف الحرفي بمعنى التغيير
أو التبديل أو الحذف أو الإضافة؟
3 – هذا الكلامقيل عن فئة من اليهود وليس عن كل اليهود، فهل قيل مثله عن أي فئة من فئات النصارى؟
4 – ما هو رأي قدماء المفسرين وأصحاب كتب أسباب النزول والصحاح الستة فيما تقصده هذه الآيات، وما تفسيرهم لها؟
5 – وهل رأى نبي المسلمين التوراةوأستشهد بما جاء فيها ككلمة الله؟ وهل رجع إليها في مواقف محددة؟ أين؟ ومتى؟ ولماذا؟ وماذا قال عنها؟
6 – وهل أختلف مع اليهودحولها، أم أرتضى بما جاء فيها من أحكام؟
7 – وهل رفض التعامل بها بحجة أنها محرفة، أم أن ذلك لم يكن في فكره وفكر صحابته ومعاصريه من الأصل؟
8 – وهل أختلف معالنصارى العرب حول الإنجيل، وهل أشار من قريب أو من بعيد لأي نوع من أنواع التحريف فيه؟
ولنا ملحوظتان هامتان يجب أن نضعهما في الاعتبار وهما كما هو واضح من مضمون الأحاديث التي ذكرها المفسرون أن التوراة التي كانت مع اليهود كانت باللغة العبرية، وكانوا يقرءونها، كعادتهم، بالعبرية ويترجمون معانيها بالعربية، وكانت ترجمة معانيها في الأغلب ترجمة معنوية وليست حرفية. ولأنه كان من النادر أن يوجد بين العرب من يعرف العبرية مثل اليهود إلا بعض الصحابة الذين كانوا من أصل عبري مثل عبد الله بن سلام ووهب بن منبه. لذا اتهم المسلمون اليهود بتحريف معاني كلمات التوراة مثلما حدث في حادثتين سنأتي على ذكرهما وهما، حادثة الرجم التي حاول فيها القارئ اليهودي للتوراة إخفاء آية الرجم بوضع يده عليها وكشف ذلك عبد الله بن سلام، وحادثة سب اليهود نبي المسلمين باستخدام كلمة ” راعنا ” من المراعاة وتحويله إلى ” رعناً ” من الرعونة ” وكشف ذلك أحد المسلمين الذي كان له معرفة باللغة العبرية.
والملحوظة الثانية هي تأكيد القرآن وكتب الحديث والسيرة على أنه لا يمكن تحريف كلام الله، ومن ثم كانت تهمة التحريف المقصود بها هي تحريف معنى الكلمة، أو إخفائها باليد وعدم قراءتها، أو اللي باللسان وتغيير المعنى عند اللفظ به واستحالة تغير اللفظ بإزالته أو تغييره أو تبديله في الكتاب، فقد بقيت الكلمات كما هي في الكتاب إنما فسرت بناء على هوى من فسرها من اليهود، أو بإخفاء القارئ اليهودي لنص منها مثل إخفاء آية الرحم بيده!!
وفيما يلي الآيات القرآنية التي تتحدث عن التحريف وهي تشير إلى نوعين أساسيين قامت بهما فئة من اليهود، هما ؛ التحريف باللي باللسان أثناء القراءة، أي بالقراءة غير الصحيحة للنص الصحيح، أو بمعنى أدق التلاعب بالألفاظ!! التحريف بتأويل الكلام وتفسيره على غير معناه، أو بحسب الهوى!! وذلك إلى جانب الاعتقاد بأن هناك آيات، في صالح الإسلام، أخفاها أو كتمها اليهود مثل نعت نبي المسلمين!!
1 – التحريف بمعني التأويل أو التفسير على غير المعنى:

¯” أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْوَقَدْ كَانَ فَرِيقٌمِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَاعَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(البقرة: 75).
وهنا إشارة إلى التوراة ككلام الله مع إشارة لنوع من التحريف “ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَاعَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. فمن هم المقصودون بقوله ” يُؤْمِنُوا لَكُمْ“؟ وما هو التحريف المقصود؟ هل هو التحريف بمعني تغيير أو تبديل أو حذف أو إضافة نقطة أو حرف أو كلمة أو عبارة أو جملة؟ أم هو تحريف بمعني التفسير أو التأويل على غير المعنى المقصود؟
جاء في تفسير القران الكريم لابن كثير ” يَقُولتَعَالَى ” أَفَتَطْمَعُونَ ” أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ ” أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْأَيْ يَنْقَاد لَكُمْ بِالطَّاعَةِ هَؤُلَاءِالْفِرْقَة الضَّالَّة مِنْ الْيَهُودالَّذِينَ شَاهَدَ آبَاؤُهُمْ مِنْ الْآيَاتالْبَيِّنَات مَا شَاهَدُوهُ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبهمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ ” وَقَدْكَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ “أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيلهمِنْ بَعْد مَاعَقَلُوهُ ” أَيْ فَهِمُوهُ عَلَى الْجَلِيَّة وَمَعَ هَذَا يُخَالِفُونَهُ عَلَى بَصِيرَة ” وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِمِنْ تَحْرِيفه وَتَأْوِيله وَهَذَا الْمَقَام شَبِيه بِقَوْلِهِ تَعَالَىفَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَةيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعه“.
وهنا يؤكد القرآن أن ” فريق منهم ” فقط، أي اليهود، ويقول ابن كثير أنالمتحدث عنهم هم فئة من اليهود ” هَؤُلَاءِالْفِرْقَةالضَّالَّة مِنْ الْيَهُود “، وأن التحريف المقصود هو التفسير أو التأويل بغير المعنى المقصود “أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله ” وليس التحريف بمعناه الحرفي، أي التغيير أو التبديل أو الإضافة أو الحذف.
وقال البيضاوي في تفسيره ” أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ” أن يصدقوكم، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم. يعني اليهود. وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ (طائفة من أسلافهم) يَسْمَعُونَ كَلَ***1648;مَ ***1649;للَّهِيعني التوراة ” ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ ” كنعت محمد …، وآية الرجم. أوتأويله فيفسرونه بمايشتهون “.
وجاء في تفسير مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للرازي ” قال القاضي: إن التحريف إما أن يكون في اللفظ أو في المعنى، وحمل التحريف على تغيير اللفظ أولى من حمله على تغيير المعنى، لأن كلام الله تعالى إذا كان باقياً على جهته وغيروا تأويله فإنما يكونون مغيرين لمعناه لا لنفس الكلام المسموع، فإن أمكن أن يحمل على ذلك كما روي عن ابن عباس من أنهم زادوا فيه ونقصوا فهو أولى، وإن لم يمكن ذلك فيجب أن يحمل على تغيير تأويله وإن كان التنزيل ثابتاً، وإنما يمتنع ذلك إذا ظهر كلام الله ظهوراً متواتراً كظهور القرآن، فأما قبل أن يصير كذلك فغير ممتنع تحريف نفس كلامه، لكن ذلك ينظر فيه، فإن كان تغييرهم له يؤثر في قيام الحجة به فلا بد من أن يمنع الله تعالى منه وإن لم يؤثر في ذلك صح وقوعه فالتحريف الذي يصح في الكلام يجب أن يقسم على ما ذكرناه، فأما تحريف المعنى فقد يصح على وجه ما، لم يعلم قصد الرسول باضطرار فإنه متى علم ذلك امتنع منهم التحريف لما تقدم من علمهم بخلافه كما يمتنع الآن أن يتأول متأول تحريم لحم الخنزير والميتة والدم على غيرها “.
أي أن فئة من اليهود يفسرون كلام الله في التوراة بحسب أهوائهم لا بحسب معناه الذي تصوره المسلمون “ كنعت محمد، وآية الرجم “، أي “ تأويله فيفسرونه بمايشتهون “.
فالتحريف المقصود، هنا، هو تحريف فريق من اليهود لكلام الله، التوراة، بتأويله بغير معناه، أي تفسيره على هواهم، وليس التحريف بمعناه الذي شرحناه سابقاً، أي ليس بتغير أو تبديل آيات التوراة أو الحذف منها أو الإضافة إليها، إنما، فقط، بتفسيرها وتأويلها على غير معناها. وتبقى التوراة كما هي كلمة الله الصحيحة غير المحرفة. وإلا لما استشهد بما جاء فيها القرآن، كما يقول ابن عباس وغيره.
كما أن الذي قام بذلك، كما يؤكد القرآن والمفسرون، هو فريق واحد من اليهود وليس كل اليهود، حيث تقول الآية “وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌمِنْهُمْ “، أي فريق واحد. وبما أن تحريفهم هو تحريف المعنى فهذا يؤكد سلامة النص وصحته وعدم تحريفه.
¯” وَإِنَّ مِنْهُمْ (أهل الكتاب = اليهود) لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” (آل عمران: 78).
وهنا يؤكد نص الآيات بوضوح على أن فريق، فقط، من الذين هادوا، اليهود، يلوون ألسنتهم في تلاوة التوراة، أو الكتاب، أي يقرؤونه قراءة غير صحيحة ويؤكدون أن قراءتهم هي القراءة الصحيحة.
جاء في الدر المنثور للتفسير بالمأثور للسيوطي قوله ” وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: إن التوراة والإنجيل كما أنزلها الله لم يغير منها حرف، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ” ويقولون: هو من عند الله وما هو من عند الله ” فأما كتب الله فهي محفوظة لا تحول “.
وهنا تأكيد منقول عن وهب بن منبه أحد الصحابة على استحالة تحريف التوراة والإنجيل “ إن التوراة والإنجيل كما أنزلها الله لم يغير منها حرف، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل. وذلك لأن كتب الله محفوظة ويستحيل تحريفها، فالله هو الحافظ لها، ولا يستطيع أحد أن يحذف منها أو يضيف إليها أو يغير أو يبدل فيها!!
وجاء في البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي ” فأخبر تعالى أنهم يفسرونها، ويتأولونها، ويضعونها على غير مواضعها، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، وهو أنهم يتصرفون في معانيها، ويحملونها على غير المراد، كما بدلوا حكم الرجم بالجلد، والتحميم مع بقاء لفظ الرجم فيها، كما أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، مع أنهم مأمورون بإقامة الحد، والقطع على الشريف والوضيع “.
وهنا يؤكد ابن كثير الدمشقي على أن التحريف المقصود هو التفسير أو التأويل على غير المعنى الحقيقي، تغيير المعني وليس تغيير النص: ” يفسرونها، ويتأولونها، ويضعونها على غير مواضعها، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، وهو أنهم يتصرفون في معانيها، ويحملونها على غير المراد “.
وجاء في تفسير جامع البيان للطبري ” فريق من أهل الكتاب يلوون ألسنتهم، وذلك تحريفهم إياه عن موضعه “.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية ” فأخبر تعالى أنهم يفسرونها، ويتأولونها، ويضعونها على غير مواضعها، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، وهو أنهم يتصرفون في معانيها، ويحملونها على غير المراد، كما بدلوا حكم الرجم بالجلد، والتحميم مع بقاء لفظ الرجم فيها “.
والخلاصة هنا أنه من المستحيل تحريف كلام الله في التوراة والإنجيل إنما ما فعله فريق من اليهود فقط، وليس كل اليهود، هو تفسيرهم لكلام الله وتأويله على هواهم دون المساس بالنص الإلهي نفسه، فهذا مستحيل.
2 لتحريف بلي اللسان، أي التلاعب بالألفاظ:

¯مِنْ الَّذِينَ هَادُوايُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِوَيَقُولُونَ سَمِعْنَاوَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْوَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُبِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ” (النساء: 45و46).
يفسر الرازي قوله “ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ “ أن المراد بالتحريف: إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح. الثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي … ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه. المسألة الرابعة: ذكر الله تعالى ههنا: ” عَن مَّو***1648;ضِعِهِ ” وفي المائدة” مِن بَعْدِ مَو***1648;ضِعِهِ ” [المائدة: 41] والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله: ” يُحَرّفُونَ ***1649;لْكَلِمَ عَن مَّو***1648;ضِعِهِ ” معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، فههنا قول ه: ” يُحَرّفُونَ ***1649;لْكَلِمَ عَن مَّو***1648;ضِعِهِ ” معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب “.
وجاء في تفسير القرآن لابن عباس ” يُحَرِّفُونَ ***1649;لْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ” يغيرون صفة محمد ونعته بعد بيانه في التوراة ويأتون محمداً ” وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ” قولك يا محمد ” وَعَصَيْنَا ” أمرك في السر عنه ” وَ***1649;سْمَعْ ” منا يا محمد ” غَيْرَ مُسْمَعٍ ” غير مطاع ومسمع منك في السر ” وَرَاعِنَا ” اسمع منا يا محمد وكان بلغتهم راعنا اسمع لا سمعت ” لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ ” يحرفون ألسنتهم بالشتم والتعيير ” وَطَعْناً فِي ***1649;لدِّينِ ” عيباً في الإسلام ” وَلَوْ أَنَّهُمْ ” يعني اليهود ” قَالُواْ سَمِعْنَا ” قولك يا محمد ” وَأَطَعْنَا ” أمرك ” وَ***1649;سْمَعْ ” منا ” وَ***1649;نْظُرْنَا ” انظر إلينا ” لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ” من السب والتعبير “.
وكان المسلمون يقولون لنبي المسلمين ” راعنا ” من المراعاة، أي ارعنا ؛ جاء في قاموس مختار الصحاح ” [رَاعِنَا] (البقرة104). قال الأخفش: هو فاعِلْنا من المُرَاعَاةِ، على معنى: أَرْعِنَا سمعَك “.
وجاء في مفردات القرآن ” رَاعِنَا أَي احْفَظْنَا “.
وجاء في فتح القدير ” قوله: [راعنا] أي: راقبنا، واحفظنا، وصيغة المفاعلة تدل على أن معنى [راعنا] ارعنا، ونرعاك، واحفظنا، ونحفظك، وارقبنا، ونرقبك، ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك “.
وجاء في القاموس المحيط للفيروز آبادي ” وقراءة الجمهور: راعنا. وفي مصحف عبد الله وقراءته، وقراءة أبي: راعونا، على إسناد الفعل لضمير الجمع. وذكر أيضاً أن في مصحف عبد الله: ارعونا. خاطبوه بذلك إكباراً وتعظيماً، إذ أقاموه مقام الجمع “.
ولكن اليهود كانوا ينطقونها محرفة ” رعناً ” ويقصدون سبه، أي يا أرعن، فنهى القرآن المسلمون عن استخدام تعبير ” راعنا ” حتى لا يستغله اليهود في سب نبي المسلمين!!
جاء في قاموس لسان العرب لابن منظور الأفريقي: ” رعن: الأَرْعَنُ: الأَهْوَجُ في منطقه المُسْتَرْخي. و الرُّعُونة: الحُمْقُ والاسْتِرْخاء. رجل أَرْعَنُ وامرأَة رَعْناء بَيِّنا الرُّعُونة والرَّعَن أَيضاً، وما أَرْعَنه، وقد رَعُن، بالضم، يَرْعن رُعُونة ورَعَناً. وقوله تعالى: ” لا تقولوا راعِنا وقولوا انْظُرْنا ” ؛ قيل: هي كلمة كانوا يذهبون بها إِلى سَبِّ النبيّ، اشْتَقُّوه من الرُّعُونة ؛ قال ثعلب: إِنَّما نهى الله تعالى عن ذلك لأَنَّ اليهود كانت تقول للنبيّ راعِنا أَو راعونا، وهو من كلامهم سَبُّ، فأَنزل الله تعالى: لا تقولوا راعنا وقولوا مكانها انْظُرْنا ؛ قاله ابن سيد ه: وعندي أَنَّ في لغة اليهود راعُونا على هذه الصيغة، يريدون الرُّعُونة أَو الأَرْعَن … وقيل: إِن راعنا كلمة كانت تُجْرَى مُجْرَى الهُزءِ، فنهي المسلمون أَن يلفظوا بها بحضرة النبيّ، وذلك أَنَّ اليهود لعنهم الله كانوا اغتنموها، فكانوا يسبّون بها النبيّ، في نفوسهم ويتسترون من ذلك بظاهر المُراعاة منها، فأُمروا أَن يخاطبوه بالتعزيز والتوقير، وقيل لهم: لا تقولوا راعنا “.
ومن هنا يؤكد القرآن في هذه الآية تحريف اليهود لمعنى كلمة ” راعنا ” التي قصد بها المسلمون المراعاة وتحويلها إلى كلمة سب ” يا أرعن “، ومن ثم تقول الآية “ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَاوَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ “!!!
جاء في صحيح البخاري: ” يحرفون الكلم عن موضعه أي يزيلونه وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى، ولكنهم يؤولونه على غير تأويله “.
وهنا يؤكد البخاري في صحيحه على استحالة إزالة لفظ واحد من كتاب الله (التوراة وغيرها من كتب الله) وإنما “ يؤولونه على غير تأويله “.
وهذا ما يؤكده القرطبي في تفسيره: ” يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله. وَذَمَّهُمْ اللَّهتَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ مُتَعَمِّدِينَ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَإِبْرَاهِيمالنَّخَعِيّ ” الْكَلَام “. قَالَ النَّحَّاس: و ” الْكَلِم ” فِي هَذَا أَوْلَى؛لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَرِّفُونَ كَلِمَ النَّبِيّ … أَوْ مَا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيع الْكَلَام وراعنا ذَكَرَ شَيْئًا آخَر مِنْجَهَالَاتالْيَهُودوَالْمَقْصُود نَهْي الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْل ذَلِكَ. وَحَقِيقَة ” رَاعِنَا ” فِي اللُّغَة اِرْعَنَا وَلْنَرْعَك ; لِأَنَّالْمُفَاعَلَة مِنْ اِثْنَيْنِ ; فَتَكُون مِنْ رَعَاك اللَّه , أَيْ اِحْفَظْنَاوَلْنَحْفَظْك , وَارْقُبْنَا وَلْنَرْقُبْك. وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ أَرْعِنَاسَمْعَك ; أَيْ فَرِّغْ سَمْعَك لِكَلَامِنَا “.
ويقول ابن كثير: ” ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ” مِنْ الَّذِينَ هَادُوا ” مِنْ فِيهَذَا لِبَيَانِ الْجِنْس كَقَوْلِهِ ” فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَانوَقَوْله يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه أَيْيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله وَيُفَسِّرُونَهُ بِغَيْرِ مُرَاد اللَّهعَزَّ وَجَلَّ قَصْدًا مِنْهُمْ وَافْتِرَاء” وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ” أَيْ سَمِعْنَا مَا قُلْته يَا مُحَمَّد وَلَا نُطِيعك فِيهِ هَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَهُوَ الْمُرَاد وَهَذَا أَبْلَغ فِي كُفْرهمْ وَعِنَادهمْوَأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ عَنْ كِتَاب اللَّه بَعْدَمَا عَقَلُوهُ وَهُمْيَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة“.
ويقول السيوطي في الدر المنثور: ” وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله ” ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ” إلى قوله ” يحرفون الكلم عن مواضعه ” قال: نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوتاليهودي والله أعلم … وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله ” يحرفون الكلم عن مواضعه ” يعني يحرفون حدود الله في التوراة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتمعن مجاهد في قوله ” يحرفون الكلم عن مواضعه ” قال: تبديل اليهود التوراة، ويقولون ” سمعنا وعصينا ” قالوا: سمعنا ما تقول ولا نطعيك ” وأسمع غير مسمع ” قال غير مقبول ما تقول ” ليا بألسنتهم ” قال: خلافايلوون به ألسنتهم ” واسمع وانظرنا ” قال أفهمنا لا تعجلعلينا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ” يحرفون الكلم عن مواضعه ” قال: لا يضعونه على ما أنزله الله “.
إذا فالمقصود بالتحريف هنا هو تحريف معنى قوله “ راعنا “؟ يقول الطبري “ قال ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي …: راعنا. على جهة الطلب والرغبة – من المراعاة – أي التفت إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سبا، أي اسمع لا سمعت، فاغتنموها وقالوا: كنا نسبه سرا فالآن نسبه جهرا، فكانوا يخاطبون بها النبي … ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: عليكم لعنة الله! لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي … لأضربن عنقه، فقالوا: أو لستم تقولونها؟ فنزلت الآية، ونهوا عنها لئلا تقتدي بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه “.
وقال جلال الدين السيوطي في الجلالين ” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا للنبي (راعِنا) أمر من المراعاة وكانوا يقولون له ذلك وهي بلغة اليهود سب من الرعونة فسروا بذلك وخاطبوا بها النبي فنهى المؤمنون عنها “. وأيضاً “ وقد نهى عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم (ليَّا) تحريفا (بألسنتهم وطعنا) قدحا (في الدين) الإسلام “.
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير ” نهى اللّه تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص – عليهم لعائن اللّه – فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولوا (راعنا) ويورُّون بالرعونة، كما قال تعالى: ” من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا. ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ” وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلَّموا إنما يقولون (السأم عليكم) والسأم هو الموت “.
وجاء في تفسير بحر العلوم للسمرقندي ” أي يحرفون نعته عن مواضعه، وهو نعت محمد … ” وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ” قولك ” وَعَصَيْنَا ” أمرك ” وَ***1649;سْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ” منك ” وَر***1648;عِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ أي يلوون لسانهم بالسب ” وَطَعْناً فِى ***1649;لدّينِ ” أي في دين الإسلام. قال القتبي: كانوا يقولون للنبي … إذا حدثهم وأمرهم سمعنا، ويقولون في أنفسهم وعصينا. وإذا أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا: اسمع يا أبا القاسم. ويقولون في أنفسهم: لا سمعت. ويقولون: راعنا يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انظرنا حتى نكلمك بما تريد، ويريدون به السب بالرعونة ” لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ ” أي قلباً للكلام بها ” وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ” مكان سمعنا وعصينا ” وَ***1649;سْمَعْ ” مكان اسمع لا سمعت ” وَ***1649;نْظُرْنَا ” مكان قولهم راعنا ” لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ ” أي وأصوب من التحريف والطعن “.
أي أن اليهود كانوا يسبون نبي المسلمين بقولهم له ” راعنا ” والتي تعني ” أرعانا “، وذلك بتحريف معنى الكلمة ولي لسانهم وقولهم له “ راعنا أو راعُونا ” أي يا أرعن وهي “ كلمة سب بلغتهم (ليَّا) تحريفا بألسنتهم “!!!
فالاتهام هنا موجَّهٌ ضد بعض اليهود الذين يحرّفون الكلِم. ومن الأمثلة المعطاة نرى أنهم كانوا يحرفون كلام نبي المسلمين كما بينا أعلاه وكما يقول عبد الله يوسف علي مترجم القرآن للإنجليزية في تفسيره لهذه الآية ” كان من مكر اليهود أنهم يلوونالكلمات والتعبيرات ليسخروا من جدية تعاليم الإسلام، فبدل أن يقولوا: سمعنا وأطعنا يقولون بصوت عال ” سمعنا “ ثم بصوت خفيض ” وعصينا “. وكان يجب أن يقولوا باحترام · نسمع ولكنهم يقولون هامسين في سخرية غير مُسمَع. ومع أنهم ادّعوا أنهم يحترمون المعلم إلا أنهم استخدموا كلمة مبهمة ظاهرها طيب، بنية سيئة. فكلمة ” راعِنا “ عربية تقدم الاحترام، ولكن بليّ اللسان في نطقها يصير معناها سيئاً وهو · خُذنا لمحل الرعي أو في العبرية · أنت السيئ فينا ” (وليم كامبل).
¯فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةًيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِوَنَسُوا حَظًّامِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّقَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّالْمُحْسِنِينَ ” (المائدة: 13).
وتقول الآية (15) في نفس سورة المائدة بعد هذا الكلام ” يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب “. إذا فهو يؤكد المقصود من التحريف هو إخفاء أجزاء من الكتاب، وليس تغيير ألفاظ كلام الله.
يقول الرازي: ” إن المراد بالتحريف هو إلقاء الشبهة الباطلة، والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى المعنى الباطل، بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعل أهل البدع في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذهبهم، وهذا هو الأصح “.
وقال أيضاً: ” يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ” وهذا التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ، وقدبينا فيما تقدم أن الأول أولى لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغييراللفظ “.
وجاء في تفسيرالقرطبي: ” يحرفون الكلم عن مواضعهأَيْيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله , وَيُلْقُونَ ذَلِكَ إِلَى الْعَوَامّ “.
وجاء في تفسير النسفي ” يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ” يفسرونه على غير ما أنزلوهو بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشدمن الافتراء على الله وتغيير وحيه “.
وجاء في تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ” واختلف العلماء في معنى قوله: ” يحرفون الكلم ” فقال قوم منهم ابن عباس، تحريفهم هو بالتأويل ولا قدرة لهم على تبديل الألفاظ في التوراة ولا يتمكن لهم ذلك ويدل على ذلك بقاء آية الرجم واحتياجهم إلى أن يضع القارئ يده عليها “.
وجاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان ” يُحَرّفُونَ ***1649;لْكَلِمَ عَن مَّو***1648;ضِعِهِ ” أي يغيرون ما شق عليهم من أحكامها، كآية الرجم بدلوها لرؤسائهم بالتحميم وهو تسويد الوجه بالفحم قال معناه ابن عباس وغيره، وقالوا: التحريف بالتأويل لا بتغيير الألفاظ، ولا قدرة لهم على تغييرها ولا يمكن. ألا تراهم وضعوا أيديهم على آية الرجم؟ وقال مقاتل: تحريفهم الكلم هو تغييرهم صفة الرسول أزالوها وكتبوا مكانها صفة أخرى فغيروا المعنى والألفاظ، والصحيح أن تحريف الكلم عن مواضعه هو التغيير في اللفظ والمعنى، ومن اطلع على التوراة علم ذلك حقيقة، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى “.

3 مشاهدة نبي المسلمين للتوراة وتصديقه لما جاء بها:

¯وَمِنْ الَّذِينَهَادُواسَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِيَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْهَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْيُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” (المائدة: 41).
يقولالقرطبي: َ” أْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ أَيْيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله بَعْد أَنْ فَهِمُوهُ عَنْكوَعَرَفُوا مَوَاضِعه الَّتِي أَرَادَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ …وَالْمُحَرِّفُونَ مِنْ الْيَهُود بَعْضهمْ لَاكُلّهمْ،وَلِذَلِكَ كَانَ حَمْلُ الْمَعْنَى عَلَى ” مِنْ الَّذِينَهَادُوا ” فَرِيق سَمَّاعُونَ أَشْبَهَ مَوَاضِعِهِ فِي مَوْضِع الْحَال مِنْالْمُضْمَر فِي ” يُحَرِّفُونَ “.
جاء فيصحيح مسلم، كتاب الحدود،باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، وكذلك في صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن ” حدثني الحكم بن موسى أبو صالح حدثنا شعيب بن إسحق ‏أخبرنا عبيد الله عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبرهأن رسول الله … أتي بيهودي ويهودية قد زنيافانطلق رسول الله … حتى جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة على من زنىقالوا نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال فأتوا بالتوراة إنكنتم صادقينفجاءوا بها فقرءوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وماوراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله … مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم فأمربهما رسول الله … فرجما“.
وهنا يقول أن نبي المسلمين طلب من اليهود أن يأتوا بالتوراة فأتوه بها وقرؤوها أمامه وأمام بعض الصحابة والذين كان بعضهم من أصل يهودي مثل عبد الله بن سلام، وعندما حاول القارئ اليهودي إخفاء آية الرجم بيده أدرك ذلك عبد الله بن سلام اليهودي السابق وطلب رفع يد القارئ من على الآية، آية الرجم وهنا أمر نبي المسلمين بتطبيق ما جاء في الآية ورجم الزاني والزانية!!
فالنص يقول أن الكلام، كلام الله، موجود في التوراة، ولكن الرجل أخفاه بيده لكي ينقذ الزاني والزانية من حكم الرجم. ومن ثم فلا يوجد تحريف في النص لأن النص ثابت ومكتوب فيالتوراة. فقد قرأ الرجل نص التوراة وأخفى آية الرجم عمدا بوضع كفه عليها ولم يقرأها مع العلم أنها كانت موجودة ولكنه أخفاها.
إذا فقد رأي نبي المسلمين التوراة وشاهدها بعض الصحابة وقرأت أمامه بناء على طلبه وحكم بما جاء فيها، بل وعلق القرآن على ذلك بقوله ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ” (المائدة: 43). مما يدل على تصديقه لما جاء فيها وحكمه ببعض أحكامها!!
وهكذا أجمع المفسرون أن سبب نزول هذه الآية في سورة المائدة هو هذه القصة. فالتحريف المقصود هو في تفسير حكم الرجم بالجلد، وليس تغيير نصوص الكتاب المقدس.
ونستنتج مما سبق أنكل هذه الآيات لا تمس التوراة ولا الإنجيل، بل نزلت في فئة قليلة من أفراد اليهودالذين يؤولون كلام الله، المكتوب والثابت في التوراة، على غير تأويله ويفسرونهتفاسير خاطئة. ونلاحظ هنا إجماع المفسرين ومن نقلوا عنهم على أن التحريف المقصود هو التحريف المعنوي أو اللفظي وليس التحريف الحرفي:فيقول الرازي “ وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى المعنى الباطل، بوجوه الحيل اللفظية. ويقول القرطبي “ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله 00 و 00 يُحَرِّفُونَ كَلِمَ النَّبِيّ … أَوْ مَا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيعالْكَلَام “. أي يحرفون المعنى. ويقول ابن كثير “ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله وَيُفَسِّرُونَهُ بِغَيْرِ مُرَاد اللَّهعَزَّ وَجَلَّ قَصْدًا مِنْهُمْ وَافْتِرَاء“. ويقول السيوطي “ يعني يحرفون حدودالله في التوراةيلوون به ألسنتهملا يضعونه على ما أنزله الله “.
كما إن استشهاد نبي المسلمين بحكم التوراة هو دليل أكيد على اقتناعه بسلامتها وعدم تحريفها ولأنه لم يكن لديه أية شبهة أو شك في ذلك.

 (2)

ألقاب التوراة والإنجيل في القرآن

إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِين
(الأنعام: 156)
وصف القرآن التوراة والمزامير (الزبور) والإنجيل بعدّة ألقاب تدل كلها على أنها كتب الله الموحى بها والمنزلة من السماء وكلمة الله التي بها تفصيل وذكر لكل شيء والتي أعطاها للبشر نوراً وضياءً وهدى ورحمة وكتاب منير محفوظ من الله إلى الأبد. كما وصفها بالذكر المحفوظ والذي لم ولا ولن يسمح الله بحذف أو إضافة أو تبديل أو تغيير حرف أو كلمة منه إلى الأبد. وفيما يلي أهم هذه الألقاب وتفسير علماء الدين لها:
1 نزول التوراة والإنجيل من عند الله:

¯إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ” (المائدة: 44).
¯” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ” (آل عمران: 65).
¯ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ” (المائدة: 66).
¯” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ” (المائدة: 68).
¯قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ ” (الأنعام: 91).
¯” أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ (اليهود والنصارى) مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِين ” (الأنعام: 156).
2 ويصف التوراة بالفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل:

¯” وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” (البقرة: 53).
¯” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ” (الأنبياء: 48).
جاء في لسان العرب ” والفُرْقانُ: القرآن. وكل ما فُرِقَ به بين الحقوالباطل، فهو فُرْقان، ولهذا قال الله تعالى: ” ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان ” … وذكره الله تعالى لموسى في غير هذا الموضع فقال تعالى: ” ولقد آتينا موسى وهرون الفُرْقانَ وضياء ” ؛ أَراد التوراة فسَمّى جلّ ثناؤُه الكتاب المنزّل على محمد، فُرْقاناً وسمى الكتاب المنزل على موسى، فُرْقاناً، والمعنى أَنه تعالى فَرَقَ بكل واحد منهما بين الحق والباطل “.
وجاء في البحر المحيط ” ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء “، وذكروا جميع الآيات التي آتاها الله تعالى موسى لأنها فرقت بين الحق والباطل “.
وجاء في الدر المنثور للسيوطي: ” الكتاب هو الفرقان، فرق بين الحق والباطل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان “.
وجاء في مختصر ابن كثير: ” قوله تعالى: ” وإذْ آتينا موسى الكتاب ” يعني التوراة، ” والفرقان ” وهو ما يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلالة “.
وجاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي: ” ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ” أي: أعطيناهما التوراة يفرق بين الحق والباطل “.
وقال الرازي: ” اختلفوا في المراد بالفرقان على أقوال: أحدها: أنه هو التوراة، فكان فرقاناً إذ كان يفرق به بين الحق والباطل، وكان ضياء إذ كان لغاية وضوحه يتوصل به إلى طرق الهدى وسبل النجاة في معرفة الله تعالى ومعرفة الشرائع، وكان ذكرى أي موعظة أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم أو الشرف أما الواو في قوله: ” وَضِيَاء ” فروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ ضياء بغير واو وهو حال من الفرقان، وأما القراءة المشهورة فالمعنى آتيناهم الفرقان وهو التوراة وآتينا به ضياء وذكرى للمتقين. والمعنى أنه في نفسه ضياء وذكرى أو آتيناهما بما فيه الشرائع والمواعظ ضياء وذكرى “.
وجاء في تفسير ابن كثير: ” أن الكتب السماوية مشتملة على التفرقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام، وعلى ما يحصل نوراً في القلوب، وهداية وخوفاً وإنابة وخشية “.
وقال الماوردي: ” قوله تعالى: وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ” فيه ثلاثة أوجه: أحدها: التوراة التي فرق فيها بين الحق والباطل “.
وجاء في تفسير معالم التنزيل للبغوي: ” وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى***1648; وَهَ***1648;رُونَ ***1649;لْفُرْقَانَ “، يعني الكتاب المفرِّق بين الحق والباطل، وهو التوراة “.
وقال النسفي: ” وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى***1648; وَهَ***1648;رُونَ ***1649;لْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً ” قيل: هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى سبيل النجاة، وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم “.
وجاء في تفسير الخازن: ” قوله عزّ وجلّ ” ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ” يعني الكتاب المفرق بين الحق والباطل وهو التوراة “.
3 ويصف التوراة بأن بها تفصيل لكل شيء:

¯” ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْيُؤْمِنُونَ(الأنعام: 154).
وقال القرطبي عن الآية الأولى: ” ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء ” (الأنعام: 154) أي بين الحرام والحلال والكفر والإيمان والوعد والوعيد وغير ذلك. وقيل: الفرقان الفرق بينهم وبين قوم فرعون أنجى هؤلاء وأغرق أولئك “.
وجاء في الجلالين ” ثم آتينا موسى الكتاب ” التوراة وثم لترتيب الأخبار ” تماما ” للنعمة “على الذي أحسن ” بالقيام به ” وتفصيلا ” بيانا ” لكل شيء ” يحتاج إليه في الدين ” وهدى ورحمة لعلهم ” أي بني إسرائيل ” بلقاء ربهم” بالبعث “.
وقال الطبري ” وقوله تعالى: ” تماماً على الذي أحسن وتفصيلاً ” أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامعاً لما يحتاج إليه في شريعته، كقوله: ” وكتبنا له في الألواح من كل شيء ” الآية، وقوله تعالى: ” على الذي أحسن ” أي جزاء على إحسانه في العمل وقيامة بأوامرنا وطاعتنا “.
4 – وأنها كتاب موسى الذي جاء أماماً ورحمة:

¯وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ” (هود: 17).
¯وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ” (الاحقاف: 12).
وقال الرازي ” واعلم أنه تعالى وصف كتاب موسى عليه السلام بكونه إماماً ورحمة، ومعنى كونه إماماً أنه كان مقتدى العالمين، وإماماً لهم يرجعون إليه
في معرفة الدين والشرائع، وأما كونه رحمة فلأنه يهدي إلى الحق في الدنيا والدين، وذلك سبب لحصول الرحمة والثواب فلما كان سبباً للرحمة أطلق اسم الرحمة عليه إطلاقاً لاسم المسبب على السبب”.

5 الزبور (المزامير) والكتاب المنير:

¯” إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ” (النساء: 163).
¯” وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ” (الاسراء: 55).
¯” وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ” (الانبياء: 105). وهو هنا يشير لما جاء في مزمور (مز37: 29) ” الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد”.
¯” فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ” (آل عمران: 184).
¯” وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ” (فاطر: 25).
قال الرازي ” وأما الزبر فهي الكتب، وهي جمع زبور، والزبور الكتاب، بمعنى المزبور أي المكتوب … وبه سمي زبور داود … عطف ” الكتاب المنير ” على ” الزبر مع أن الكتاب المنير لا بد وأن يكون من الزبر، وإنما حسن هذا العطف لأن الكتاب المنير أشرف الكتب وأحسن الزبر … ويحتمل أن يكون المراد بالزبر: الصحف، وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل والزبور “.
وقال الزمخشري ” وبالزبر، وهي الصحف ” وَ***1649;لْكِتَ***1648;بِ ***1649;لْمُنِيرِ ” التوراة والإنجيل والزبور”.
وقال الخازن ” والزبر ” أي الكتب وأحدها زبور وكل كتاب فيه حكمة فهو زبور وأصله من الزبر وهو الزجر وسمي الكتاب الذي فيه الحكمة زبوراً لأنه يزبر عن الباطل ويدعو إلى الحق ” والكتاب المنير ” أي الواضح المضيء وإنما عطف الكتاب المنير على الزبر لشرفه وفضله وقيل أراد بالزبر الصحف وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل “.
6 الصحف الأولى:

¯” أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ” (طه: 133).
¯” إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ” (الأعلى: 18 و19).
¯” أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ” (النجم: 36).
جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ” و ” كتب اللّه جل ثناؤه كلها … ” صحف إبراهيم وموسى ” يعني الكتب المنزلة عليهما… وقال الضحاك: إن هذا القرآن لفي الصحف الأولى ؛ أي الكتب الأولى. ” صحف إبراهيم وموسى ” يعني الكتب المنزلة عليهما. ولم يرد أن هذه الألفاظ بعينها في تلك الصحف، وإنما هو على المعنى ؛ أي إن معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف “.
وقال السيوطي في الدر المنثور “ أو لم تأتيهم بينة ما في الصحف الأولى ” قال: التوراة والإنجيل“.
وقال في الجلالين “المنزلة قبل القرآن “.
وقال الطبري ” التوراة والإنجيل “، وأيضاً “صحف إبراهيم خليل الرحمن، وصحف موسى بن عمران “.
7 كما يصف التوراة المزامير (الزبور) والإنجيل بالكتاب ويصف اليهود والنصارى بأهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب:

¯” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ” (البقرة: 87).
قال القرطبي ” قوله تعالى: ” ولقد آتينا موسى الكتاب” يعني التوراة “.
وجاء في الدر المنثور ” ولقد آتينا موسى الكتاب ” يعني التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة“.
وقال الجلالين: ” ولقد آتينا موسى الكتاب ” التوراة ” وقفينا من بعده بالرسل ” أي أتبعناهم رسولاً في إثر رسول “.
وقال الطبري: ” القول في تأويل قوله تعالى: ” ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ” يعني بقوله جل ثناؤه: ” آتينا موسى الكتاب ” أنزلناه إليه. وقد بينا أن معنى الإيتاء: الإعطاء فيما مضى قبل، والكتاب الذي آتاه الله موسى عليه السلام هو التوراة “.
¯” وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ” (البقرة: 101).
وقال القرطبي ” قوله تعالى: ” لما معهميعني التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيهما “.
وجاء في الدر المنثور ” مصدق لما معهم ” قال: من التوراة والإنجيل “.
¯” الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ” (البقرة: 121).
¯” لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ” (آل عمران: 113).
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير ” وقد قال تعالى: ” ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون “، وقال تعالى ” ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات اللّه آناء الليل وهم يسجدون ” وقال تعالى: ” إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ” وهذه الصفات توجد في اليهود “.
¯” فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ” (النساء: 54).
قال الطبري ” ويعني بقوله: ” فقد آتينا آل إبراهيم ” فقد أعطينا آل إبراهيم، يعني: أهله وأتباعه على دينه ” الكتاب ” يعني: كتاب الله الذي أوحاه إليهم، وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزبور، وسائر ما آتاهم من الكتب. وأما الحكمة، فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا “.
¯” وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ” (النساء: 131).
قال الطبري ” يقول: ولقد أمرنا أهل الكتاب وهم أهل التوراة والإنجيل وإياكم، يقول. وأمرناكم وقلنا لكم ولهم: ” اتقوا الله ” يقول: احذروا أن تعصوه وتخالفوا أمره ونهيه “.
¯” الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” (المائدة: 5).
قال الطبري ” وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ” وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل، وأنزل عليهم، فدانوا بهما أو بأحدهما ” حل لكم ” يقول: حلال لكم أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام، فإن من لم يكن منهم ممن أقر بتوحيد الله عز ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام عليكم ذبائحهم “.
وجاء في مختصر ابن كثير ” قال ابن عباس: يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، إن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم اللّه، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس “.
¯الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ” (الأنعام: 20).
¯أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ” (الأنعام: 89).
¯” ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ” (الأنعام: 154).
قال القرطبي ” أي بين الحرام والحلال والكفر والإيمان والوعد والوعيد وغير ذلك. وقيل: الفرقان الفرق بينهم وبين قوم فرعون أنجى هؤلاء وأغرق أولئك ونظيره “.
وجاء في مختصر ابن كثير ” أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامعاً لما يحتاج إليه في شريعته “.
¯” أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ” (الأنعام: 156).
قال القرطبي ” وقال الفراء والكسائي: المعنى فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة. ” إنما أنزل الكتاب ” أي التوراة والإنجيل ” على طائفتين من قبلنا ” أي على اليهود والنصارى، ولم ينزل علينا كتاب ” وإن كنا عن دراستهم لغافلين ” أي عن تلاوة كتبهم وعن لغاتهم. ولم يقل عن دراستهما ؛ لأن كل طائفة جماعة”.
وجاء في مختصر ابن كثير ” وقوله: ” وإن كنا عن دراستهم لغافلين ” أي وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا ونحن في غفلة وشغل مع ذلك عما هم فيه “.
¯وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً ” (الاسراء: 2).
قال الطبري ” حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ” آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ” جعله الله لهم هدى، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعله رحمة لهم “.
¯” وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ” (الاسراء: 4).
¯يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ” (مريم: 12).
قال الطبري ” قال الله له: يا يحيى، خذ هذا الكتاب بقوة، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى، وهو التوراة “.
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير ” وهذا أيضاً تضمن محذوفاً، تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو يحيى عليه السلام، وأن اللّه علمه الكتاب وهو (التوراة) التي كانوا يتدارسونها بينهم، وقد كانت سنه إذ ذاك صغيره، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه وعلى والديه، فقال ” يا يحيى خذ الكتاب بقوة ” أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد “.
¯” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ” (المؤمنون: 49).
¯وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ” (الفرقان: 35).
¯وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ” (القصص: 43).
قال القرطبي ” ولقد آتينا موسى الكتاب ” يعني التوراة ؛ وخص موسى بالذكر لأن التوراة أنزلت عليه في الطور، وهارون خليفة في قومه. ولو قال ” ولقد آتيناهما ” جاز؛ كما قال: ” ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان “[الأنبياء: 48] “. وأيضا ” قوله تعالى: ” ولقد آتينا موسى الكتاب ” يعني التوراة ؛ قاله قتادة قال يحيى بن سلام: هو أول كتاب – يعني التوراة – نزلت فيه الفرائض والحدود والأحكام “.
وجاء في الدر المنثور ” وأخرج ابن عساكر من طريق جوبير عن الضحاك عن ابن عباس في قوله ” ولقد آتينا موسى الكتاب ” يعني التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة “.
وقال الطبري ” ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون ” يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة، ليهتدي بها قومه من بني إسرائيل، ويعملوا بما فيها “.
¯” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” (آل عمران: 64).
وفي قوله ” أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ” تأكيد على أنهم موحدون بالله ولا يشركون به شيئاً. قال القرطبي ” قوله تعالى: ” قل يا أهل الكتاب ” الخطاب في قول الحسن وابن زيد والسدي لأهل نجران. وفي قول قتادة وابن جريج وغيرهما ليهود المدينة، خوطبوا بذلك لأنهم جعلوا أحبارهم في الطاعة لهم كالأرباب. وقيل: هو لليهود والنصارى جميعا ”
8 جدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن:

¯وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ” (العنكبوت: 46).
جاء في فتح القدير للشوكاني ” أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله (صلعم): ” لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإل***1648;هنا وإل***1648;هكم واحد ونحن له مسلمون “.
وقال الرازي ” وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب الضلال آباؤهم، بخلاف المشرك “.
9 وصف اليهود والنصارى بأهل الذكر:

كما يعطي القرآن للكتاب المقدس ” التوراة والمزامير (الزبور) والإنجيل ” لقب ” الذكر ” والذكر المحفوظ، وهو نفس اللقب الذي أعطاه للقرآن نفسه:
¯” وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ (القرآن) إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ” (الحجر: 6).
¯” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ” (النحل: 44).
¯” ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ” (صّ: 1).
كما يقول عن أهل الكتاب اليهود والنصارى بأنهم أهل الذكر:
¯” وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” (النحل: 43).
¯” وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” (الانبياء: 7).
وهنا يدعو القرآن أهل قريش أن يسألوا أهل الكتاب ” أهل الذكر ” إن كانوا لا يعلمون، أي كالمرجع لهم في أحوال عمل الله في الكون، بقوله لهم: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” (النحل: 43). وبما أن القرآن يصف التوراة والمزامير (الزبور) ب ” الذكر ” ويصف أهل الكتاب، اليهود والنصارى، ب ” أهل الذكر ” كما يقول القرآن عن نفسه أيضاً أنه ” الذكر “، ويقول ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” (الحجر: 9)، لذا ينطبق هذا الكلام ” حفظ الذكر “، بحسب القرآن نفسه، على كل الكتب المذكورة والموصوفة بالذكر.
وقال الطبري ” فاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ” وهم الذين قد قرأوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنزلها على عباده “.
وجاء في الكشاف للزمخشري “ فَاسْئَلُواْ وأهل الذكر: أهل الكتاب. وقيل للكتاب الذكر ؛ لأنه موعظة وتنبيه للغافلين ” مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ” يعني ما نزل الله إليهم في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا وأوعدوا ” وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ” وإرادة أن يصغوا إلى تنبيهاته فيتنبهوا ويتأملوا “.
وجاء في مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ” أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب، عن ابن عباس، ومجاهد، أي: فاسألوا أهل التوراة والإنجيل. ” إن كنتم لا تعلمون ” يخاطب مشركي مكة، وذلك أنهم كانوا يصدقون اليهود والنصارى فيما كانوا يخبرون به من كتبهم، لأنهم كانوا يكذبون النبي “.
وقال الرازي: ” فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ” وفيه مسائل: المسألة الأولى: في المراد بأهل الذكر وجوه: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد أهل التوراة، والذكر هو التوراة. والدليل عليه قوله تعالى: ” وَلَقَدْ كَتَبْنَا في ***1649;لزَّبُورِ مِن بَعْدِ ***1649;لذّكْرِ ” [الأنبياء: 105] يعني التوراة. الثاني: قال الزجاج: فاسألوا أهل الكتب الذين يعرفون معاني كتب الله تعالى، فإنهم يعرفون أن الأنبياء كلهم بشر … ثم إنهم (أهل مكة) كانوا مقرين بأن اليهود والنصارى أصحاب العلوم والكتب فأمرهم الله بأن يرجعوا في هذه المسألة إلى اليهود والنصارى ليبينوا لهم ضعف هذه الشبهة وسقوطها “.
وقال لقرطبي ” فَ***1649;سْأَلُواْ أَهْلَ ***1649;لذِّكْرِ ” قال سفيان: يعني مؤمني أهل الكتاب “.
وجاء في تفسير الجلالين المحلي والسيوطي ” فَ***1649;سئَلُواْ أَهْلَ ***1649;لذّكْرِ ” العلماء بالتوراة والإِنجيل“.
وجاء في فتح القدير للشوكاني ” ولما كان كفار مكة مقرّين بأن اليهود والنصارى هم أهل العلم بما أنزل الله في التوراة والإنجيل، صرف الخطاب إليهم، وأمرهم أن يرجعوا إلى أهل الكتاب، فقال: ” فَ***1649;سْأَلُواْ أَهْلَ ***1649;لذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ” أي: فاسألوا أيها المشركون مؤمني أهل الكتاب إن كنتم لا تعلمون “.
وجاء في تفسير ابن عباس ” فَ***1649;سْأَلُواْ أَهْلَ ***1649;لذِّكْرِ ” أهل التوراة والإنجيل “.
وجاء في السمرقندي ” فَ***1649;سْأَلُواْ أَهْلَ ***1649;لذّكْرِ ” أي: أهل التوراة والإنجيل “.
وهكذا أجمع المفسرون على أن أهل الذكر هم أهل الكتاب، التوراة والإنجيل الذي يجب الرجوع إليهم في مسائل وأمور العلوم والكتب السماوية.

 (3)

الإنجيل هدى ونور

وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًىوَنُورٌ “
” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُالإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ “
بينا سابقاً استحالة التحريف اللفظي في التوراة، بمعنى استحالة حذف أو إضافة أو تعديل أو تغير حرف أو كلمة أو آية أو فقرة أو أي جزء منها وأنها كانت، سواء أيام عزرا أو أيام المسيح أو أيام نبي المسلمين، سليمة كما دونها موسى النبي بالروح القدس. وأن التحريف الذي قصده القرآن، في التوراة، هو تأويل المعنى أو التفسير على غير المعنى الصحيح، فقد كان اليهود يقرءون التوراة بالعبرية ويفسرونها للمسلمين باللغة العربية ولذا فقد كانوا يخفون بعض المعاني الحقيقة عنهم، بل ويخفون بعض الآيات مثل آية الرجم، أو بلي اللسان وسب نبي المسلمين مثل تحويلهم لقوله ” راعنا ” التي تعني ارعانا، إلى ” رعناً ” أي يا ارعن! وسب المسلمين بقولهم ” السأم عليكم ” بدلا من ” السلام عليكم “!!
أما تهمة التحريف بجميع معانيه سواء المعنوية أو اللفظية أو غيرها 00 الخ فلم تطلق على الإنجيل مطلقاً، ونتحدى أن يثبت لنا أحد عكس ذلك، بل والغريب أنه عندما جاء القرآن في القرن السابع وبعد مرور ستة قرون على انتشار الإنجيل كما كتبه التلاميذ الأربعة وبقية رسل المسيح بالروح القدس، لم يقل أن الإنجيل الأصلي فُقد وأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي نزل على المسيح، بل تكلم عن الإنجيل الذي كان موجوداً بالفعل مع المسيحيين، النصارى، في أيامه الذي فيه هدى ونور، وطلب من المسيحيين أن يحكموا بما جاء فيه، ويقول أن الله جعل في قلوبهم رأفة ورحمة:
1 الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ:

وردت كلمة الإنجيل في القرآن 12 مرة،وكلها تتكلم عنه باعتباره المنزّل من عند الله هدى ونور، بل وأشار إلى أحد الأمثال الموجودةفيه، وقد بينا ذلك في الآيات التي شرحناها مرتبطة بالتوراة. وفيما يلي بعض هذه الآيات:
¯هدىللناس ” نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِوَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ. مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَالْفُرْقَانَ ” (آل عمران: 3و4).
¯تعليم المسيح الكامل “وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ “(آل عمران: 48).
¯نزول التوراة والإنجيل من عند الله ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِلِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (آل عمران: 65).
¯هُدًى وَنُورٌ: “وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَيَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (المائدة: 46).
¯بركات تطبيق التوراة والإنجيل في حياةالمؤمنين من النصارى واليهود ” وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَوَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْوَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (المائدة: 66).
¯نزول التوراة والإنجيل من عند اللهقُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَوَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ” (المائدة: 68).
¯تأييد المسيح بكل العلوم والمعجزات ” إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَوَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُبَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَكَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ” (المائدة: 110).
¯” مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَفَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِالسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِيُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ” (الفتح: 29). وهنا يشير إلى موضوع مثل الزارع الموجود في الإنجيل (لو5: 8-15).
قال الرازي أنه تعالى وصف الإنجيل بصفات خمسة فقال: ” فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ “.
وجاء في تفسير ابن عباس ” وَقَفَّيْنَا ” أتبعنا وأردفنا ” عَلَى***1648; آثَارِهِم بِعَيسَى ***1649;بْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً ” موافقاً ” لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَوْرَاةِ ” بالتوحيد وبعض الشرائعوَآتَيْنَاهُ ” أعطيناه ” ***1649;لإِنجِيلَ فِيهِ ” في الإنجيل ” هُدًى ” من الضلالة ” وَنُورٌ ” بيان الرجم ” وَمُصَدِّقاً ” موافقاً ” لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ ” بالتوحيد والرجموَهُدًى” من الضلالة ” وَمَوْعِظَةً ” نهياً ” لِّلْمُتَّقِينَ ” الكفر والشرك والفواحش ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ***1649;لإِنْجِيلِ ” ولكي يبين أهل الإنجيل ” بِمَآ أَنزَلَ ***1649;للَّهُ فِيهِ ” بما بيَّن الله في الإنجيل “.
وقال البقاعي: ” وآتيناه الإنجيل ” أي أنزلناه بعظمتنا عليه كما أنزلنا التوراة على موسى عليه السلام … ولما كان في الإنجيل المحكم الذي يفهمه كل أحد، والمتشابه الذي لا يفهمه إلا الأفراد من خلص العباد، ولا يقف بَعدَ فهمه عند حدوده إلا المتقون، قال مبيناً لحاله: ” فيه ” أي آتيناه إياه بحكمتنا وعظمتنا كائناً فيه ” هدى ” أي وهو المحكم، يهتدي به كل أحد سمعه إلى صراط مستقيم ” ونور ” أي حسن بيان كاشف للمشكلات “.
وقال مقاتل بن سليمان: ” وَآتَيْنَاهُ ***1649;لإِنجِيلَ “، يعنى أعطينا عيسى الإنجيل، ” فيهِ هُدًى ” من الضلالة، ” وَنُورٌ ” من الظلمة، ” وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ “، يقول: الإنجيل يصدق التوراة، ” وَ ” الإنجيل ” وَهُدًى ” من الضلالة، ” وَمَوْعِظَةً ” من الجهل، ” لِّلْمُتَّقِينَ ” [آية: 46] الشرك “.
2 وَلْيَحْكُمْ أَهْلُالإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ:

ويطلب القرآن من معاصريه من النصارى أن يحكموا بما جاء في الإنجيل! ولو كان هناك أي شبهه أو قول بتحريفه لما طلب منهم ذلك، وإلا كيف يطلب منهم أن يحتكموا بكتاب محرف؟!
¯وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” (المائدة 46).
وهو هنا يخاطبهم بصيغة الأمر ” وليحكم “، أي ليحكموا بما معهم، بالإنجيل الموجود معهم ومعه في تلك اللحظة وفي ذلك الوقت!!
قال الطبرسي: ” وليحكم أهل الإنجيل هذا أمر لهم. وقيل في معناه قولان أحدهما: إن تقديره وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون على حكاية ما فرض عليهم … وقيل: إن من للجزاء أي من لم يحكم من المكلفين، بما أنزل الله، فهو فاسق “.
وقال ابن كثير ” وقوله تعالى: ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ***1649;لإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ***1649;للَّهُ فِيهِ … وآتيناه الإنجيل ليحكم، أهل ملته به في زمانهم، وقرىء: وَلْيَحْكُمْ “، بالجزم على أن اللام لام الأمر، أي: ليؤمنوا بجميع ما فيه، وليقيموا ما أمروا به فيه “.
وقال الشوكاني: ” قوله: ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ***1649;لإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ***1649;للَّهُ فِيهِ ” هذا أمر لأهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه “.
وقال السمرقندي: ” ثم قال: ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ***1649;لإنجِيلِ … أمرهم الله تعالى أنيحكموا بما في الإنجيل. ثم قال: ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ***1649;للَّهُ ” يعني: في الإنجيل وكان حكمهم العفو، ” فَأُوْلَئِكَ هُمُ ***1649;لْفَ***1648;سِقُونَ ” يعني: العاصين “.
وقال البغوي: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ***1649;لإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ***1649;للَّهُ فِيهِ … قال مقاتل بن حيان: أمر الله الربانيين والأحبار أن يحكموا بما في التوراة، وأمر القسيسين والرهبان أن يحكموا بما في الإنجيل “.
وقال ابن عطية: ” والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق ليحكم أهله بما أنزل الله فيه، وقرأ باقي السبعة ” ولْيحكم ” بسكون اللام التي هي لام الأمر وجزم الفعل. ومعنى أمره لهم بالحكم أي هكذا يجب عليهم.
وقال ابن الجوزي: ” وليحكم أهل الإِنجيل ” … وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه. وقرأ الأعمش، وحمزة بكسر اللام، وفتح الميم على معنى ” كي ” فكأنه قال: وآتيناه الإِنجيل لكي يحكم أهل الإِنجيل بما أنزل الله فيه “.
وقال الخازن: “ قوله وليحكم يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المعنى وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخباراً عما فرض عليهم في وقت إنزاله عليهم من الحكم بما تضمنه الإنجيل ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله وكتبنا وقفينا يدل عليه وحذف القول كثير. والوجه الثاني: أن يكون قوله وليحكم ابتداء وفيه أمر للنصارى بالحكم بما في كتابهم وهو الإنجيل “.
وقال مقاتل بن سليمان: ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ***1649;لإِنْجِيلِ ” من الأحبار والرهبان، ” بِمَآ أَنزَلَ ***1649;للَّهُ فِيهِ “، يعنى في الإنجيل من العفو عن القاتل أو الجارح والضارب، ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ***1649;للَّهُ ” في الإنجيل من العفو واقتص من القاتل والجارح والضارب، ” فَأُوْلَ***1648;ئِكَ هُمُ ***1649;لْفَاسِقُونَ ” [آية: 47]، يعنى العاصين لله عز وجل “.
3 وشهد للحواريون تلاميذ المسيح بأنهم أنصار الله:

كما تكلم القرآن عن الحواريين تلاميذه المسيح ورسله باعتبارهم أنصار الله وأنهم آمنوا بالمسيح وصدقوه وكانوا شهوداً على معجزاته وأعماله التي صنعها أمامهم ودافعوا عن هذا الإيمان حيث يقول:
¯” فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” (آل عمران 51و52).
¯” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ” (الصف 13).
قال القرطبي ” قال الحواريون نحن أنصار الله ” أي أنصار نبيه ودينه.
والحواريون أصحاب عيسى عليه السلام، وكانوا اثني عشر رجلا ؛ قاله الكلبي وأبو رَوْق. واختلف في تسميتهم بذلك ؛ فقال ابن عباس: سموا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا صيادين … وأصل الحَوَر في اللغة البياض، وحورت الثياب بيضتها، والحُوَّارَى من الطعام ما حُوّر، أي بيض، واحْوَرّ ابيضَّ، والجَفْنَة المحوّرة: المبيضة بالسنام، والحواري أيضا الناصر “.
وقال الجلالين ” أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص … والحواريون أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا إثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها”.
وقال الطبري ” وأما الحواريون، فإن أهل التأويل اختلفوا في السبب الذي من أجله سموا حواريون، فقال بعضهم: سموا بذلك لبياض ثيابهم. ذكر من قال ذلك: وقال أيضاً ” قد كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه “.
وأيضاً ” قالوا: نحن أنصار الله على ما بعث به أنبياءه من الحق “.
وجاء في مختصر ابن كثير ” الحواريون … هم أتباع عيسى عليه السلام ” نحن أنصار اللّه ” أي نحن أنصارك على ما أرسلت به، وموازروك على ذلك “.
وقال ابن كثير ” نَحْنُ أَنْصَارُ ***1649;للَّهِ ” أي أنصار دينه ورسوله. وحواريّ الرجل: صفوته وخالصته … وإنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيداً لإيمانهم، لأنّ الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم ” مَعَ ***1649;لشَّ***1648;هِدِينَ ” مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع الذين يشهدون بالوحدانية “.
وقال الطبرسي ” الحواريون أصفياء عيسى، وكانوا اثني عشر رجلا. وقال عبد الله بن المبارك: سموا حواريين لأنهم كانوا نورانيين، عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها، كما قال تعالى: سيماهم في وجوههم من أثر السجود [الفتح: 29]. ” نحن أنصار الله ” معناه: نحن أعوان الله على الكافرين من قومك “.
وقال الرازي ” الحواري أصله من الحور، وهو شدة البياض، ومنه قيل للدقيق حواري، ومنه الأحور، والحور نقاء بياض العين، وحورت الثياب: بيضتها، وعلى هذا القول اختلفوا في سبب تسميتهم بهذا الاسم؟ فقال سعيد بن جبير: لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصارين، يبيضون الثياب، وقيل لأن قلوبهم كانت نقية طاهرة من كل نفاق وريبة فسموا بذلك مدحاً لهم، وإشارة إلى نقاء قلوبهم، كالثوب الأبيض، وهذا كما يقال فلان نقي الجيب، طاهر الذيل، إذا كان بعيداً عن الأفعال الذميمة، وفلان دنس الثياب: إذا كان مقدماً على ما لا ينبغي … أما قوله ” آمنا بِ***1649;للَّهِ ” فهذا يجري مجرى ذكر العلة، والمعنى يجب علينا أن نكون من أنصار الله، لأجل أنا آمنا بالله، فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين الله، والذب عن أوليائه، والمحاربة مع أعدائه “.
4 وشهد للحواريين بأن الله يوحي إليهم:

وقال القرآن أن الله كان يوحي إليهم كما أوحى إلى الأنبياء ” إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ” (النساء: 163). فقد أوحى إليهم أن يؤمنوا بالمسيح كما كانوا شهوداًَ لأعماله ومن ثم فقد دونوها في الإنجيل بوحي الروح القدس.
¯وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِن الشَّاهِدِينَ ” (‏المائدة 110 – 113).
قال الرازي ” وقد تقدم تفسير الوَحْي. فمن قال إنهم كانوا أنبياء قال ذلك الوحي هو الوحي الذي يوحى إلى الأنبياء. ومن قال إنهم ما كانوا أنبياء، قال: المراد بذلك الوحي الإلهام والالقاء في القلب كما في قوله تعالى: ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى***1648; أُمّ مُوسَى***1648; أَنْ أَرْضِعِيهِ ” [القصص: 7] وقوله ” وَأَوْحَى***1648; رَبُّكَ إِلَى***1648; ***1649;لنَّحْلِ ” [النحل: 68] وإنما ذكر هذا في معرض تعديد النعم لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوباً في قلوبهم من أعظم نعم الله على الإنسان. وذكر تعالى أنه لما ألقى ذلك الوحي في قلوبهم، آمنوا وأسلموا وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام، لأن الإيمان صفة القلب والإسلام عبارة عن الانقياد والخضوع في الظاهر، يعني آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم “.
وقال الشوكاني ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ***1649;لْحَوَارِيّينَ ” يقول قذفت في قلوبهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه “.
وقال الجلالين ” أمرتهم على لسانه ” أن ” أي بأن ” ءَامِنُوا بِى وَبِرَسُولِى ” عيسى ” قَالُواْ ءَامَنَّا ” بك وبرسولك “.
وقال ابن كثير ” أوْحَيْتُ إِلَى ***1649;لْحَوَارِيّينَ ” أمرتهم على ألسنة الرسل “.
وقال ابن عباس في تفسيره ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ***1649;لْحَوَارِيِّينَ ” ألهمت الحواريين القصارين وهم اثنا عشر رجلاً ” أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ” عيسى ” قَالُو***1764;اْ آمَنَّا ” بك وبرسولك عيسى ” وَ***1649;شْهَدْ ” أنت يا عيسى وشهد بعضهم على بعض ” بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ” مخلصون بالعبادة والتوحيد “.
وقال النسفي ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ ” ألهمت ” إِلَى ***1649;لْحَوَارِيّينَ ” الخواص أو الأصفياء ” أن آمنوا ” أي آمنوا ” بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون ” أي اشهد بأننا مخلصون من أسلم وجهه “.
وقال السمرقندي ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ***1649;لْحَوَارِيّينَ ” يعني: ألهمتهم وألقيت في قلوبهم. ويقال: أوحيت إلى عيسى ليبلغ الحواريين: ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ” يعني: صدقوا بتوحيدي ” وَبِرَسُولِى ” فلما أبلغهم الرسالة ” قَالُواْ ءامَنَّا ” يقول: صدقنا بهما ” وَ***1649;شْهَدْ ” يا عيسى ” بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ” أي: مقرون. ويقال: هذا معطوف على أول الكلام. إذ قال الله يا عيسى. وقال له أيضاً: ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ***1649;لْحَوَارِيّينَ ” يعني: ألهمتهم “.
فهل يمكن أن يتكلمالقرآن بهذا الأسلوب عن كتاب محرف أو من تأليف البشر؟ وإذا كان قد تكلم عن الحواريين باعتبارهم أنصار الله الذين آمنوا بالمسيح بناء على وحي من الله ذاته، وأنهم كانوا شهوداً للمسيح، فهل يمكن أن يقال أن هؤلاء الرجال الموحى إليهم قدجمعوا ودونوا الإنجيل بدون وحي؟!! يقول البعض أن كلمة وحي الخاصة بالحواريين لا تعني الوحي بمعنى الوحي مثلما نقول وحي الإنجيل أو وحي القرآن، إنما مثلها مثل قوله ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِفَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُإِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ” (القصص: 7). حسناً، والذي أوحي إليهم بالإيمان به وبرسوله يتركهم يجمعون الإنجيل ولا يوحي إليها بما هو صواب وما هو خطأ؟!!
5 شهادة القرآن لتقوى المسيحيين ورأفتهم ورحمتهم:

(1) أهل الرأفة والرحمة ” ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ” (الحديد 26).
جاء في مختصر ابن كثير ” ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل ” وهو الكتاب الذي أوحاه اللّه إليه، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ” وهم الحواريون ” رأفة ” أي رقة وهي الخشية ” ورحمة ” بالخلق “.
وقال السمرقندي ” وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ***1649;لَّذِينَ ***1649;تَّبَعُوهُ ” يعني: الذين آمنوا به، وصدقوه، واتبعوا دينه، ” رَأْفَةً وَرَحْمَةً ” يعني: المودة. والمتوادين الذين يود بعضهم بعضاً. ويقال: الرأفة على أهل دينهم، يرحم بعضهم بعضاً، وهم الذين كانوا على دين عيسى “.
(2) الأقرب في المودة ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُواالْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةًلِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْقِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ” (المائدة: 82).
قال الرازي وأما النصارى فإنهم في أكثر الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة وترك طلب الرياسة والتكبر والترفع، وكل من كان كذلك فإنه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم ولا يخاصمهم بل يكون لين العريكة في طلب الحق سهل الانقياد له، فهذا هو الفرق بين هذين الفريقين في هذا الباب، وهو المراد بقوله تعالى: ” ذ***1648;لِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ “.
وقال ابن كثير ” وقوله تعالى: ” وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ***1649;لَّذِينَ قَالُو***1764;اْ إِنَّا نَصَارَى***1648; ” أي: الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح، وعلى منهاج إنجيله، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: ” وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ***1649;لَّذِينَ ***1649;تَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ” [الحديد: 27] وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر. وليس القتال مشروعاً في ملتهم، ولهذا قال تعالى: ” ذ***1648;لِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ” … تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف.
وقال الجلالين ؛ المحلي و السيوطي ” أي قرب مودّتهم للمؤمنين ” بِأَنَّ ” بسبب أن ” مِنْهُمْ قِسّيسِينَ ” علماء ” وَرُهْبَاناً ” عُبَّاداً ” وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ” عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة “.
وقال البيضاوي ” وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ***1649;لَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى***1648; ” للين جانبهم ورقة قلوبهم وقلة حرصهم على الدنيا وكثرة اهتمامهم بالعلم والعمل وإليه أشار بقوله: ” ذ***1648;لِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ” عن قبول الحق إذا فهموه، أو يتواضعون ولا يتكبرون كاليهود. وفيه دليل على أن التواضع والإِقبال على العلم والعمل “.
وقال النسفي ” ذ***1648;لك بأنّ منهم قِسّيسينَ ورهباناً ” أي علماء وعباداً ” وأنّهم لا يستكبرونَ ” علل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين بأن منهم قسيسين ورهباناً وأن فيهم تواضعاً واستكانة، واليهود على خلاف ذلك، وفيه دليل على أن العلم أنفع شيء وأهداه إلى الخير وإن كان علم القسيسين، وكذا علم الآخرة وإن كان في راهب، والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني “.

(4)

شهادة القرآن لوجود التوراة والإنجيل بين يدي نبي المسلمين

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ
وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ” (المائدة: 48).
يستخدم القرآن ويكرر عبارة ” الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ “، و ” مصدقا لما بين يديه “، و “ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ “، و ” تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ “، و “ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ “، و “مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ “، عن وجود التوراة والمزامير (الزبور) والإنجيل بين يدي نبي المسلمين وبين يدي اليهود والنصارى في أيامه، وأن القرآن جاء مصدقاً بها وشاهداً لها ومهيمناً عليها، وهذا يؤكد على حقيقة جوهرية لا مفر منها وهي أن هذه الكتب كانت سليمة في أيامه وبين يديه ولم يصبها أي نوع من التحريف:
(1) ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ” (التوراة والإنجيل) ” (سبأ: 31). وعبارة “ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ” تؤكد وجود التوراة والإنجيل بين يديه، أي معه، مع نبي المسلمين!!
قال الجلالين ” ولا بالذي بين يديه ” أي تقدمه كالتوراة والإنجيل الدالين على البعث لإنكارهم له.
وقال الطبري ” لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ” قال المشركون: لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه من الكتب والأنبياء “.
وقال القرطبي” قال المشركون: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي أنزل قبله من التوراة والإنجيل بل نكفر بالجميع “.
وقال السيوطي في الدر المنثور ” ولا بالذي بين يديه ” قال: التوراة والإنجيل “. وجاء في تفسير الجلالين ” لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه أي تقدمه كالتوراة والإنجيل الدالين على البعث “.
(2) ” قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ” (البقرة: 97).
وعبارة “ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ” تأكيد لوجود هذه الأسفار معه ومع معاصريه.
(3) ” نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ” (آل عمران: 3)[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]ù).
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير ” وقوله: ” مصدقا لما بين يديهأي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد اللّه والأنبياء “.
(4) ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ” (المائدة: 48).
وقال الجلالين ” مصدقا لما بين يديه ” قبله ” من الكتاب ومهيمناشاهدا ” عليه ” والكتاب بمعنى الكتب “.
وقال الطبري ” مصدقا لهذه الكتب وأمينا عليها. وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع، فقال: مؤتمنا عليه “.
جاء في الدر المنثور ” عن ابن عباس في قوله ” ومهيمنا عليه ” قال: مؤتمنا عليه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ” ومهيمنا عليه ” قال: المهيمن الأمين، والقرآن أمين على كل كتاب قبله “.
وجاء في صحيح البخاري باب تفسير سورة المائدة ” مصدقاموافقا لما فيها
من أصول العقيدة والعبادة والتشريع والأخلاق. ” لما بين يديه من الكتابلما نزل قبله من كتب سماوية وشرائع إلهية. ” مهيمنا عليه ” حاكما عليه وشاهدا بالصحة والثبات، أو التحريف والتبديل والاختلاق “.
(5) ” وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ” (الأنعام: 92).
قال القرطبي ” مصدق الذي بين يديهأي من الكتب المنزلة قبله، فإنه يوافقها في نفي الشرك وإثبات التوحيد “. وأيضاً ” مصدق الذي بين يديه ” يقول: صدق هذا الكتاب ما قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه قبلك، لم يخالفها ولا بنبأ، وهو معنى ” نورا وهدى للناس “، يقول: هو الذي أنزل إليك يا محمد هذا الكتاب مباركا مصدقا كتاب موسى وعيسى وغير ذلك من كتب الله “.
وتتكرر عبارات ” تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ “ و “ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ” دلالة على وجود التوراة وزبور (مزامير) داود بين يدي نبي المسلمين ومع اليهود والنصارى وأنه جاء مصدقا بها ولها بل ومهميناً وأمينا عليها!! مما يدل على أنها كانت صحيحة وسالمة، بين يديه، ولم يتطرق إليها أي نوع من التحريف الفعلي، أي، التغيير أو التبديل أو الحذف أو الإضافة 00 الخ
(6)أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ (اليهود والنصارى) مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ” (الأنعام: 156).
قال ابن كثير ” قال ابن جرير معناه وهذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا ” إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ” يعني لينقطع عذركم … وقوله تعالى ” على طائفتين من قبلنا ” قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هم اليهود والنصارى وكذا قال مجاهد والسدي وقتادة وغير واحد وقوله ” وإن كنا عن دراستهم لغافلين ” أي وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا ونحن في غفلة وشغل مع ذلك عما هم فيه “.
وقال القرطبي ” وقال الفراء والكسائي: المعنى فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة. ” إنما أنزل الكتاب ” أي التوراة والإنجيل. ” على طائفتين من قبلنا ” أي على اليهود والنصارى، ولم ينزل علينا كتاب. ” وإن كنا عن دراستهم لغافلين ” أي عن تلاوة كتبهم وعن لغاتهم “.
وجاء في الدر المنثور ” عن ابن عباس في قوله ” على طائفتين من قبلنا ” قال: هم اليهود والنصارى ” وإن كنا عن دراستهم ” قال: تلاوتهم.
وقال الطبري ” عن ابن عباس، قوله: ” أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ” وهم اليهود والنصارى “.
وجاء في مغني المحتاج للخطيب الشربيني ” أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ” والأولى اشتق اسمها من يهود بن يعقوب والثانية من ناصرة قرية بالشام كان مبدأ دين النصارى منها “.
(7)وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]) لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ” (الأحقاف: 12).
قال ابن كثير ” ثم قال تعالى ” ومن قبله كتاب موسى ” وهو التوراة ” إماما ورحمة ” وهذا كتاب ” يعني القرآن مصدق أي لما قبله من الكتب “.
وقال الجلالين ” ومن قبله ” أي القرآن ” كتاب موسى ” أي التوراة ” إماما ورحمة ” للمؤمنين به حالان ” وهذا ” أي القرآن ” كتاب مصدق ” للكتب قبله ” لسانا عربيا ” حال من الضمير في مصدق “.
جاء في القرطبي ” قوله تعالى: ” ومن قبله ” أي ومن قبل القرآن ” كتاب موسى” أي التوراة ” إماما ” يقتدى بما فيه. و” إماما ” نصب على الحال، لأن المعنى: وتقدمه كتاب موسى إماما. ” ورحمة ” معطوف عليه.
مما سبق من آيات يتبين لناأن التوراة والإنجيل كانا بين يدي نبي المسلمين وشهد القرآن بأنهما كتابان صحيحان منزلان من عند الله، كما يقول أنه، القرآن، جاء مصدقاً لهما ولكي يحافظ عليهما ويهيمن عليهما جاء مؤيدا لهما، بل ويفصّل توراة موسى ويشرح التوراة والإنجيل!! ويؤكد إن وعد الله حقفي التوراة والإنجيل والقرآن، ومن ثم لا يمكن أن يتغيرا أو يتبدلا أو يحرفا كمايزعم البعض.
والسؤال هنا هو ؛ لو كان الكتابان، التوراة والإنجيل، محرفين، فهل كان القرآن يشهد لهما بهذه الصورة؟ وهل كان يقول أنه جاء مصدقاً لهما؟ وهل كان يكرر عبارات مصدق لما معه أو لما معكم أو لما معهم أو لما بين يديه؟
والإجابة هي كلا بل ومستحيل!!

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]ù) ” وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ” (التوراة والإنجيل) إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ” (فاطر: 31).” وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْتَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة والإنجيل) وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” (يونس: 37). ” مَا كَانَ (القرآن) حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة والإنجيل)وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” (يوسف : 111). (6) ” وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” (يونس: 37).

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]) أنظر أيضاً ” وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ 000 ” (البقرة:89). ” وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ 000 ” (البقرة:101). ” 000 ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ 000 ” (آل عمران:81). ” وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ 000 ” (الأنعام:92). ” وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة) يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ” (الأحقاف 29 و30). ” وَإِذَا قِيلَلَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَاوَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ (التوراة)
” (البقرة:91). ” نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ ” (آل عمران:3 و4). ” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ (يا محمد) الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ (التوراة والإنجيل) وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ” (المائدة:48). ” وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِي ” (البقرة: 41). ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ” (النساء: 47). 
   

(6)

شهادة القرآن لوجود التوراة بين يدي المسيح وأنه جاء مصدقاً لها

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ ” (المائدة: 46).

يزعم البعض اعتمادا على ما جاء في كتب النقاد وما جاء في كتب الديانات القديمة، خاصة السومرية والبابلية، على أن التوراة الأصلية فقدت بعد موسى النبي، وأن التوراة الحالية ما هي إلا مجرد نقل عن هذه الأساطير وليست كتاباً من عند الله!!!!! ويزعمون أن كتابتها تمت قبل الميلاد بحوالي 400 سنة!!!
وهذا الكلام أن قاله الملحدين فلا لوم عليهم وعلينا أن نثبت لهم العكس، أما أن يقوله الكتاب من الأخوة المسلمين فهذا غير منطقي لسبب بسيط جداً وهو أن القرآن شهد لصحة التوراة التي كانت بين يدي المسيح، كما شهد للتوراة التي كانت موجودة مع اليهود أيام نبي المسلمين، بل وأكد القرآن أنه جاء مصدقا لما بين يدي اليهود والمسيحيين من التوراة والإنجيل!!!
ولو افترضنا صحة هذا الإدعاء فماذا ستكون النتيجة؟؟!! أعتقد أن النتيجة لن تكون مقبولة بالمرة ولن تُرضي المسيحيين والمسلمين. لأنه إذا كانت التوراة التي كانت بين يدي المسيح وبين يدي نبي المسلمين وبين يدي اليهود في أيامه ليست هي التوراة الحقيقة، فعن ماذا شهد المسيح والقرآن، كما يقول كل من الإنجيل والقرآن؟؟!! هل شهدا وصدقا على كتاب مزور؟؟!! وعن ماذا شهد وصدق القرآن، هل صدق بكتاب مزور هو مجرد أساطير الشعوب وليس كتاب الله؟؟!! والإجابة كلا ومستحيل فقد أكد المسيح لصحة كل حرف وكلمة وجملة وفقرة في التوراة وبقية كل أسفار العهد القديم وكل الأحداث التي وردت بها، كما بينا، كما أكد القرآن أنه، المسيح، جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة وأن الله هو الذي علمها له كما علمه الإنجيل ” وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ” (آل عمران: 48)، فهل علمه توراة مزيفة؟! وهل جاء مصدقاً لتوراة محرفة؟! والإجابة كلا ومستحيل!!
وردت كلمة التوراة في القرآن 18 مرة[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]ù) وكلها تشهد لصحة التوراة وأنها منزلة
من عند الله وأنها كانت موجودة ككلمة الله الموحى بها أيام المسيح وأن الله هو الذي علمها له وأنه جاء مصدقاً لها، وأنها كانت كذلك أيام نبي المسلمين كالكلمة الموحى بها والمنزلة من عند الله وأنها كانت كاملة وسليمة بدون نقص أو زيادة وليس بها أي شبهة لأنها كتاب الله.
وفيما يلي شهادة القرآن ومفسرو القرآن على أن التوراة والمزامير وكتب الأنبياء المنزلة وعلومهم وسننهم وقضاءهم كانت بين يدي المسيح وأنه جاء مصدقاً لها وحافظاً لكل ما جاء فيها عن ظهر قلب، بل ومتمما لما جاء فيها فقد تنبأت بمجيئه وأعلنت عن صفاته، بل ويقول المفسرون أنه تعلمها من الله أو أن الله هو الذي علمه إياها منذ كان في بطن أمه وكشف له ما بها من أسرار، كما علمه الكتابة والحكمة والعلوم الشرعية والفقهية والعقلية والعلوية والسنّة التي كان يتكلم بها
الأنبياء وأحكام الشرائع:

1 الله يعلم المسيح الحكمة والتوراة وكتب الأنبياء:

¯ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (آل عمران: 48).
¯ ” إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ” (المائدة: 110).
جاء في جامع البيان للطبري: ” القول في تأويل قوله تعالى: ” ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ” فيعلمه الكتاب، وهو الخط الذي يخطه بيده، والحكمة: وهي السنة التي نوحيها إليه في غيركتاب،والتوراة: وهي التوراة التي أنزلت على موسى،كانتفيهم من عهد موسى، والإنجيل: إنجيل عيسى، ولم يكن قبله، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه، وإنما أخبرها بذلك، فسماه لها، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل “.
قال الرازي: ” المراد من الكتاب تعليم الخط والكتابة، ثم المراد بالحكمة تعليم العلوم وتهذيب الأخلاق لأن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به ومجموعهما هو المسمى بالحكمة، ثم بعد أن صار عالماً بالخط والكتابة، ومحيطاً بالعلوم العقلية والشرعية، يعلمه التوراة، وإنما أخر تعليم التوراة عن تعليم الخط والحكمة، لأن التوراة كتاب إل***1648;هي، وفيه أسرار عظيمة، والإنسان ما لم يتعلم العلوم الكثيرة لا يمكنه أن يخوض في البحث على أسرار الكتب الإل***1648;هية، ثم قال في المرتبة الرابعة والإنجيل، وإنما أخر ذكر الإنجيل عن ذكر التوراة لأن من تعلم الخط، ثم تعلم علوم الحق، ثم أحاط بأسرار الكتاب الذي أنزله الله تعالى على من قبله من الأنبياء فقد عظمت درجته في العلم فإذا أنزل الله تعالى عليه بعد ذلك كتاباً آخر وأوقفه على أسراره فذلك هو الغاية القصوى، والمرتبة العليا في العلم، والفهم والإحاطة بالأسرار العقلية والشرعية، والاطلاع على الحكم العلوية والسفلية، فهذا ما عندي في ترتيب هذه الألفاظ الأربعة “.
وجاء في ابن كثير: ” إن الله يعلمه ” ***1649;لْكِتَ***1648;بَ وَ***1649;لْحِكْمَةَ “، الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة، والحكمة تقدم الكلام على تفسيرها في سورة البقرة، و ” ***1649;لتَّوْرَاةَ وَ***1649;لإِنجِيلَ “، فالتوراة هو الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى بن مريم عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا.
وقال ابن عباس في تفسيره: ” وَيُعَلِّمُهُ ***1649;لْكِتَابَ ” كتب الأنبياء ويقال الكتابة ” وَ***1649;لْحِكْمَةَ ” الحلال والحرام ويقال حكمة الأنبياء قبله ” وَ***1649;لتَّوْرَاةَ ” في بطن أمه ” وَ***1649;لإِنْجِيلَ ” بعد خروجه من بطن أمه “.
وقال السمرقندي: ” وَيُعَلّمُهُ ***1649;لْكِتَ***1648;بَ ” قرأ نافع وعاصم ” وَيُعَلّمُهُ ” بالياء يعني أن الله يعلمه، وقرأ الباقون بالنون، ومعناه أن الله يقول ونعلمه ” ***1649;لْكِتَ***1648;بِ ” يعني كتب الأنبياء. وهذا قول الكلبي. وقال مقاتل: يعني الخط والكتابة، فعلّمه الله بالوحي والإلهام ” وَ***1649;لْحِكْمَةِ ” يعني الفقه ” وَ***1649;لتَّوْرَاةَ وَ***1649;لإِنجِيلَ ” يعني يحفظ التوراة عن ظهر قلبه. وقال بعضهم: وهو عالم بالتوراة. وقال بعضهم: ألهمه الله بعدما كبر حتى تعلم في مدة يسيرة “.
وقال البغوي: ” وَيُعَلِّمُهُ … ***1649;لْكِتَابَ ” أي الكتابة والخط ” وَ***1649;لْحِكْمَةَ ” العلم والفقه ” وَ***1649;لتَّوْرَاةَ وَ***1649;لإِنْجِيلَ ” علمه الله التوارة والإِنجيل “.
وقال ابن عطية: ” الكتاب ” هو الخط باليد فهو مصدر كتب يكتب … وأما ” الحكمة “، فهي السنة التي يتكلم بها الأنبياء، في الشرعيات، والمواعظ … وأما ما كان من حكمة عيسى الخاصة به فإنما يقال فيها يعلمه على معنى يهيئ غريزته لها ويقدره ويجعله يتمرن في استخراجها ويجري ذهنه إلى ذلك، و “ التوراة ” هي المنزلة على موسى عليه السلام، ويروى أن عيسى كان يستظهر التوراة وكان أعمل الناس بما فيها، ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب إلا أربعة، موسى ويوشع بن نون وعزير وعيسى عليهم السلام “.
وقال النسفي: ” وَيُعَلِّمُهُ … الكتابة وكان أحسن الناس خطاً في زمانه. وقيل: كتب الله ” والحكمَةَ ” بيان الحلال والحرام أو الكتاب الخط باليد. والحكمة: البيان باللسان ” وَ***1649;لتَّوْرَاةَ وَ***1649;لإِنجِيلَ “.
وقال الخازن: ” ويعلمه الكتاب ” يعني الكتابة والخط باليد ” والحكمة ” يعني العلم والسنة وأحكام الشرائع ” والتوراة ” يعني التي أنزلت على موسى ” والإنجيل ” يعني الذي أنزل عليه وهذا إخبار من الله تعالى لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة وعلو المنزلة “.
وقال ابو حيان: ” وَيُعَلّمُهُ ***1649;لْكِتَ***1648;بَ وَ***1649;لْحِكْمَةَ وَ***1649;لتَّوْرَاةَ وَ***1649;لإِنجِيلَ ” الكتاب: هنا مصدر، أي: يعلمه الخط باليد، قاله ابن عباس، وابن جريج وجماعة وقيل: الكتاب هو كتاب غير معلوم، علمه الله عيسى مع التوراة والإنجيل وقيل: كتب الله المنزلة. والألف واللام للجنس وقيل: هو التوراة والإنجيل. قالوا: وتكون الواو في: والتوراة، مقحمة، والكتاب عبارة عن المكتوب، وتعليمه إياها قيل: بالإلهام، وقيل: بالوحي، وقيل: بالتوفيق والهداية للتعلم والحكمة. تقدم تفسيرها، وفسرت هنا: بسنن الأنبياء، وبما شرعه من الدين، وبالنبوة، وبالصواب في القول والعمل وبالعقل، وبأنواع العلم. وبمجموع ما تقدم أقوال سبعة. روي أن عيسى كان يستظهر التوراة، ويقال لم يحفظها عن ظهر قلب غير: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى. وذكر الإنجيل لمريم وهو لم ينزل بعد لأنه كان كتاباً مذكوراً عند الأنبياء والعلماء، وأنه سينزل “.
وجاء فيمختصر ابن كثير للصابوني: ” إن اللّه يعلمِّه الكتاب والحكمة، الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة، والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة، والتوراة والإنجيل. فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم عليهما السلام، وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا“.

2 التوراة كانت مع المسيح وبين يديه وأنه جاء مصدقاً لها:

¯ َمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي ” (آل عمران: 50(.
قال القرطبي: ” قوله تعالى: ” وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل … إني رسول الله إليكم ” أي بالإنجيل. ” مصدقا لما بين يدي من التوراة لأن في التوراة صفتي، وأني لم آتكم بشيءيخالف التوراة فتنفروا عني “.
وقال الطبري: ” قيل: ” وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ ” لأن عيسى صلوات الله عليه كان مؤمناً بالتوراة مقرّاً بها، وأنها من عند الله، وكذلك الأنبياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك، مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملاً بالتوراة، لم يخالف شيئاً من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشدّداً عليهم فيها “.
وقال الطبرسي: ” ومصدقا لما بين يدي ” أي: لما أنزل قبلي ” من التوراة “، وما فيه البشارة بي ومن أرسل قبلي من الأنبياء ” ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ” هذا معطوف على معنى قوله ” مصدقا ” وتقديره: ولأصدق ما بين يدي من التوراة “.
وقال الرازي: ” إنه يجب على كل نبي أن يكون مصدقاً لجميع الأنبياء عليهم السلام، لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجزة، فكل من حصل له المعجز، وجب الاعتراف بنبوته، فلهذا قلنا: بأن عيسى عليه السلام يجب أن يكون مصدقاً لموسى بالتوراة، ولعلّ من جملة الأغراض في بعثة عيسى عليه السلام إليهم تقرير التوراة وإزالة شبهات المنكرين وتحريفات الجاهلين … لأن التصديق بالتوراة لا معنى له إلا اعتقاد أن كل ما فيها فهو حق وصواب، وإذا لم يكن الثاني مذكوراً في التوراة لم يكن حكم عيسى بتحليل ما كان محرماً فيها، مناقضاً لكونه مصدقاً بالتوراة، وأيضاً إذا كانت البشارة بعيسى عليه السلام موجودة في التوراة لم يكن مجيء عيسى عليه السلام وشرعه مناقضاً للتوراة “.
وجاء في تفسير ابن كثير: ” وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ وَلاُِحِلَّ لَكُم بَعْضَ ***1649;لَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ … ” أي: مقرراً لها ومثبتاً “.
وقال القرطبي: ” وإنما قيل: “ومصدقا لما بين يدي من التوراةلأن عيسى صلوات الله عليه كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها، وأنها من عند الله، وكذلك الأنبياء كلهم يصدقونبكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك، مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملا بالتوراة، لم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددا عليهمفيها “.
¯ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِهُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًىوَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ” (المائدة: 46).
¯ ” وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ” (المائدة: 46).
جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ” مصدقا لما بين يديه ” يعني التوراة ؛ فإنه رأى التوراة حقا، ورأى وجوب العمل بها “.
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير: ” وقفينا ” أي اتبعنا على آثارهم يعني أنبياء بني إسرائيل ” بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة “، أيمؤمنا بها حاكماً بما فيها، ” وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ” أي هدى إلى الحق ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات ” ومصدقا لما بين يديه من التوراةأي متبعاً لها غير مخالف لما فيها إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوايختلفون فيه “.
جاء في الكشاف للزمخشري: ” قيل: إن عيسى عليه السلام كان متعبداً بما في التوراة من الأحكام ؛ لأن الإنجيل مواعظ وزواجر والأحكام فيه قليلة “.
وقال الطبرسي: ” مصدقا لما بين يديه ” أي: لما مضى ” من التوراة ” التي أنزلت على موسى، صدق بها وآمن بها، وإنما قال لما مضى قبله لما بين يديه، لأنه إذا كان يأتي بعده خلفه، فالذي مضى قبله يكون قدامه، وبين يديه ” … ومصدقا لما بين يديه من التوراة ” يعني الإنجيل يصدق بالتوراة لان فيه أن التوراة حق “.
وقال الرازي: ” معنى كون عيسى مصدقاً للتوراة أنه أقر بأنه كتاب منزّل من عند الله، وأنه كان حقاً واجب العمل به قبل ورود النسخ. السؤال الثاني: لم كرر قوله ” مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ” والجواب: ليس فيه تكرار لأن في الأول: أن المسيح يصدق التوراة، وفي الثاني: الإنجيل يصدق التوراة.
وقال ابن كثير: ” مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَوْرَاةِ ” أي: مؤمناً بها، حاكماً بما فيها … “ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ ” أي: متبعاً لها، غير مخالف لما فيها، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه “.
وجاء في تفسير فتح القدير للشوكاني:وقوله: ” وَمُصَدّقًا ” معطوف على محل ” فِيهِ هُدًى ” أي: أن الإنجيل أوتيه عيسى حال كونه مشتملاً على الهدى والنور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة ؛ وقيل إن مصدّقاً معطوف على مصدّقاً الأوّل، فيكون حالا من عيسى مؤكداً للحال الأول ومقرّراً له. والأوّل أولى ؛ لأن التأسيس خير من التأكيد. قوله: ” وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لّلْمُتَّقِينَ ” عطف على مصدّقاً داخل تحت حكمه منضماً إليه: أي مصدقاً وهادياً وواعظاً للمتقين “.
وجاء في تفسير ابن عباس: ” وَقَفَّيْنَا ” أتبعنا وأردفنا ” عَلَى***1648; آثَارِهِم بِعَيسَى ***1649;بْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً ” موافقاً ” لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَوْرَاةِ ” بالتوحيد وبعض الشرائع ” وَآتَيْنَاهُ ” أعطيناه ” ***1649;لإِنجِيلَ فِيهِ ” في الإنجيل ” هُدًى ” من الضلالة ” وَنُورٌ ” بيان الرجم ” وَمُصَدِّقاً ” موافقاً ” لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ ” بالتوحيد والرجم “.
وقال ابن الجوزي ” مُصدّقاً ” أي: بعثناه مُصدّقاً ” لما بين يديه ” ” وآتيناه الإِنجيل فيه هدىً ونورٌ ومُصدّقاً ” ليس هذا تكراراً للأول، لأن الأول لعيسى، والثاني: للإنجيل، لأن عيسى كان يدعو إِلى التصديق بالتوراة، والإِنجيل أُنزِلَ وفيه ذكر التصديق بالتوراة “.
وجاء في تفسير الخازن: ” وقفينا على آثارهم … بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة ” يعني أن عيسى عليه السلام كان مصدقا بأن التوراة منزلة من عند الله عزّ وجل وكان العمل بها واجباً قبل ورود النسخ عليها فإن عيسى عليه السلام نسخ بعض أحكام التوراة وخالفها ” وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ” يعني فيه هدى من الجهالة وضياء من عمى البصيرة ” ومصدقاً لما بين يديه من التوراة ” هذا ليس بتكرار للأول لأن في الأول الإخبار بأن عيسى مصدق لما بين يديه من التوراة. وفي الثاني: الإخبار بأن الإنجيل مصدق للتوراة“.
وجاء في تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للقمي النيسابوري: ” مصدّقاً لما بين يديه ” أي مقراً بأن التوراة كتاب منزل من عند الله تعالى وأنه كان حقاً واجب العمل به قبل ورود ناسخه وهو الإنجيل المصدق أيضاً “.
وقال البقاعي: “ ومصدقاً ” أي الإنجيل بكماله ” لما بين يديه ” ولما كان الذي نزل قبله كثيراً، عين المراد بقوله: ” من التوراة ” فالأول صفة لعيسى عليه السلام، والثاني صفة لكتابه، بمعنى أنه هو والتوراة والإنجيل متصادقون، فكل من الكتابين يصدق الآخر وهو يصدقهما، لم يتخالفوا في شيء، بل هو متخلق بجميع ما أتى به “.
¯ ” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ” (الصف: 6).
قال القرطبي: مصدقا لما بين يدي من التوراة ” لأن في التوراة صفتي، وأني لم آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني “.
وجاء في مختصر ابن كثير ” مصدقاً لما بين يديَّ من التوراة … يعني التوراة، وقد بشرت بي وأنا مصدق ما أخبرت عنه “.
وقال الرازيقوله: ” إِنّى رَسُولُ ***1649;للَّهِ ” أي اذكروا أني رسول الله أرسلت إليكم بالوصف الذي وصفت به في التوراة ومصدقاً بالتوراة وبكتب الله وبأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر.
وقال ابن كثير: ” يعني: التوراة، قد بشرت بي، وأنا مصداق ما أخبرت عنه “.
وقال الشوكاني: ” مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ***1649;لتَّوْرَاةِ ” أي: إني رسول الله إليكم بالإنجيل مصدّقاً لما بين يديّ من التوراة لأني لم آتكم بشيء يخالف التوراة، بل هي مشتملة على التبشير بي، فكيف تنفرون عني وتخالفونني “.
وهكذا يؤكد لنا القرآن والمفسرون وعلماء الإسلام أن التوراة وكتب الأنبياء كانت كما هي، مثلما نزلت على موسى النبي والأنبياء، فقد كانت مع المسيح وبين يديه، كما كانت مع موسى ويشوع وعزرا، وكان حافظاً لها ومتمسكاً بها ومتمماً لما جاء بها عنه. وأنه من المستحيل أن تكون قد فقدت أو ضاعت أو أنها غير التي كتبها موسى النبي والأنبياء، لأنها كانت مع المسيح وبين يديه وأنه كان هو وموسى ويشوع وعزرا حافظين لها لذا فمن المستحيل أن تكون قد فقدت أو تغيرت أو تبدلت فيما بين موسى والمسيح!!!

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]ù) (1) ” نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ” (آل عمران:3).
(2) ” وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ” (آل عمران:50).
(3) ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ” (آل عمران:65).
(4و5) ” كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” (آل عمران:93).
(6) ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ” (المائدة:43).
(7) ” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ” (المائدة:44).
(8 و9) ” وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ” (المائدة:46).
(10) ” وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ” (المائدة:66).
(11) ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ” (المائدة:68).
(12) ” الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ ” (لأعراف:157).
(13) ” إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ ” (التوبة:111).
(14) ” سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ” (الفتح:29).
(15) ” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ” (الصف:6).
(16) “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً “(الجمعة:5).
(17) ” وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ” (آل عمران:48).
(18) ” إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ” (المائدة:110)        

(7)

شهادة القرآن والحديث والسيرةلصحة التوراة واستحالة تحريفها

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ
(المائدة: 43).
هناك عدة آيات قرآنية تتحدث عن مكانة التوراة مثل الآيات التي ذكرناها سابقاً والتي تتكلم عن الكثير من الصفات التي تؤكد أن التوراة جاءت من الله هدى ونور، وأنها جاءت على ” أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً “، وأنها كِتَابُ مُوسَى الذي هو ” إِمَاماً وَرَحْمَةً “، و ” وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ “، و ” وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ” و ” َضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ” 00الخ
¯ ” ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ” (الأنعام: 154).
¯ ” وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ” (هود: 17).
¯ ” وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ” (الاحقاف: 12).
¯ ” فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ” (آل عمران: 184).
¯ ” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ” (المائدة: 44).
¯ ” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ” (الأنبياء: 48).

1 التوراة هُدًى لِلنَّاسِ ونور:

¯” نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ. مِنْقَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِاللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ” (آل عمران: 3و4).
يقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ” نزل عليك الكتاب بالحقمصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل. قوله تعالى: ” لما بين يديه ” يعني منالكتب المنزلة، ” وأنزل التوراة والإنجيل ” والتوراة معناها الضياء والنور “.
وجاء في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي: ” وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنقتادة في قوله ” نزل عليك الكتاب ” قال: القرآن ” مصدقا لما بين يديهمن الكتب التي قد خلت قبله (وأنزل التوراة والإنجيل، من قبل هدى للناس)، هما كتابان أنزلهما الله فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به، وصدق به وعمل بمافيه “.
وجاء في جامع البيان للطبري ” القول في تأويل قوله تعالى ” وأنزل التوراة والإنجيل ” يعني بذلك جل ثناؤه: وأنزل التوراة على موسى، والإنجيلعلى عيسى. وأيضا ” حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ” وأنزلالتوراة والإنجيل من قبل هدى للناس “هما كتابان أنزلهما الله،فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به وصدق به وعمل بما فيه “.
¯إِنَّا أَنزَلْنَاالتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَأَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَااسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْاالنَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْيَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ” (المائدة: 44).
وجاء في تهذيب سنن أبي لابن القيم – باب في رجم اليهوديين: فقَالَ أنْشُدُكُمْ بالله الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى. مَا تَجِدُونَ في التّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ؟ قالُوا يُحَمّمُوَيُجَبّهُ وَيُجْلَدُ، وَالتّجْبِيَةُ أنْ يُحْمَلَ الزّانِيَانِ عَلَى حِمَارٍوَيُقَابَلُ أقْفِيَتَهُمَا وَيُطَافُ بِهِمَا. قالَ وَسَكَتَ شَابّ مِنْهُمْ،فَلمّا رَآهُ النّبيّ … سَكَتَ ألَظّ بِهِ النّشْدَةَ فقالَ: الّلهُمّ إذْ نَشَدْتَنا فإنّا نَجِدُ في التّوْرَاةِ الرّجْمَ، فَقالَ النّبيّ … فَما أوّلُ ما ارْتَخَصْتُمْ أمْرَ الله؟ قالَ زَنَى ذُو قَرَابَةٍمِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا فأَخّرَ عَنْهُ الرّجْمَ ثُمّ زنَى رَجُلٌ في أُسْرَةٍ مِنَ النّاسِ فأَرَادَ رَجْمَهُ فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ وَقالُوا لا يُرْجَمُصَاحِبُنَا حَتّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكَ فَتَرْجُمَهُ، فأَصْلَحُوا عَلَى هَذِهِالْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ، فَقالَ النّبيّ …فإنّي أحْكُم بِمَا فيالتّوْرَاةِ فأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا “.
وجاء في سُنَنُ أبي دَاوُد للإمامِ أبي دَاوُد، أولكتاب الحدود – باب في رجم اليهوديين: ” ما تجدون في التوراة في شأن الزِّنا؟ ” فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفعها فإِذا فيها آية الرجم “. فأمر بالرجم.

2 لا تحريف ولا نسخ لكلام الله في التوراة:

وما يعنينا في هذا الفصل هو قوله ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ” (المائدة: 43).
جاء في الجامع لأحكام القرآن القرطبي ” قوله تعالى: ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ” قال الحسن: هو الرجم. وقال قتادة: هو القود. ويقال: هل يدل قوله تعالى: ” فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ” على أنه لم ينسخ؟ الجواب: قال أبو علي: نعم ؛ لأنه لو نسخ لم يطلق عليه بعد النسخ أنه حكم الله “.
وجاء في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي ” قوله تعالى: ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ” ؛ أن نبي المسلمين سأل اليهود: ” ما تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا ؛ نجد حده التحميم والجلد. فسألهم أيكم أعلم؟ فوركوا ذلك إلى رجل منهم، قالوا: فلان. فأرسل إليه فسأله، قال: نجد التحميم والجلد “. ثم يتكرر ما سبق ذكره إلى قوله ” اللهم أني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم “. ثم سأله اليهود: ” ما تجد فيما أنزل إليك حد الزاني؟ فأنزل الله ” وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ” يعني حدود الله، فأخبره الله بحكمه في التوراة قال ” وكتبنا عليهم فيها ” إلى قوله ” والجروح قصاص ” (المائدة الآية 45) “. أي كيف يحكمونك، يا محمد، وعندهم التوراة فيها حكم الله؟؟!!
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير اختصار الصابوني المجلد الأولوَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ” (المائدة: 43)، ” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ” (المائدة: 44)… ويذكر ما سبق إلى قوله: ” ما تجدون في التوراة في شأن الرجم: فقالو: نفضحهم ويجلدون، قال عبد اللّه بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللّه …فرجما ” … وهذا لفظ البخاري، وعند مسلم … فقال: ” ما تجدون في التوراة على من زنى؟ ” قالوا: نسود وجوههما ونحممهما ونحملهما، ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال: ” فأتوا بالتوراة فأتلوها إن كنتم صادقين “ قال فجاءوا بها فقرأوها، حتى إذا مر بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها ” … ثم قال: ” اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه “، قال: فأمر به فرجم ” ثم يقول المفسر ” فهذه الأحاديث دالة على أن رسول اللّه …حكم بموافقة حكم التوراة، وليس هذا من باب الإكرام لهم بما يعتقدون صحته ” … ” ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال: ” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ” أي لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها، ” والربانيون والأحبار ” أي وكذلك الربانيون منهم وهم العلماء والعبّاد، والأحبار وهم العلماء ” بما استحفظوا من كتاب اللّه ” أي بما استودعوا من كتاب اللّه الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به ” وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني”.

3 آيات القرآن تؤكد استحالة تغير ألفاظ التوراة أو تبديلها:

وجاء في البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي: ” أما اليهود فقد أنزل الله عليهم التوراة على يدي موسى بن عمران عليه السلام، وكانت كما قال الله تعالى: ” ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ” (الأنعام: 154). وقال تعالى: ” قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ” (الأنعام: 91). وقال تعالى: ” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ” (الأنبياء: 48). وقال تعالى: ” وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ” (الصافات: 117-118). وقال تعالى: ” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ” (المائدة: 44). فكانوا يحكمون بها وهم متمسكون بها برهة من الزمان، ثم شرعوا في تحريفها، وتبديلها، وتغييرها، وتأويلها، وإبداء ما ليس منها، كما قال الله تعالى: ” وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” (آل عمران: 78). فأخبر تعالى أنهم يفسرونها، ويتأولونها، ويضعونها على غير مواضعها، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، وهو أنهم يتصرفون في معانيها، ويحملونها على غير المراد، كما بدلوا حكم الرجم بالجلد، والتحميم مع بقاء لفظ الرجم فيها.

4 تقدير نبي المسلمين للتوراة واحتكامه لها وإيمانه بها:

¯وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِذَلِكَ وَمَا وْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ” (المائدة: 43).
جاء في الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي ” قوله تعالى: ” وكيف يحكمونك وعندهم التوراةفيها حكم الله ” قال الحسن: هو الرجم. وقال قتادة: هو القود. ويقال: هل يدل قولهتعالى: فيها حكم الله “على أنه لم ينسخ؟ الجواب: قال أبو علي: نعم ؛ لأنه لو نسخ لم يطلق عليه بعد النسخ أنه حكم الله“.
وجاء في ‏جامع البيان عنتأويل آي للإمام الطبري ” يعني معالي ذكره: وكيف يحكمك هؤلاء اليهود يا محمد بينهم، فيرضون بك حكما بينهم، وعندهم التوراة التي أنزلتها علىموسى، التي يقرون بها أنها حق وأنها كتابي الذي أنزلته على نبيي، وأن ما فيه منحكم فمن حكمي “.
وجاء في البداية والنهاية للإمام إسماعيل بنكثير الدمشقي ” أما اليهود فقد أنزل الله عليهم التوراة على يدي موسى بن عمران عليه السلام، وكانت كما قال الله تعالى: ” ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ” (الأنعام: 154(. وقالتعالى: ” قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًىلِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ” (الأنعام: 91)، وقال تعالى: ” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ” (الأنبياء: 48). وقال تعالى: ” وَآتَيْنَاهُمَاالْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ” (الصافات: 118و119).
وقال تعالى: ” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌيَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُواوَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِوَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَاتَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَاللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ” (المائدة: 44).فكانوا يحكمون بهاوهم متمسكون بها برهة من الزمان، ثم شرعوا في تحريفها، وتبديلها، وتغييرها، وتأويلها، وإبداء ما ليس منها، كما قال الله تعالى: ” وَإِنَّ مِنْهُمْلَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِوَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْعِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” (آلعمران: 78). فأخبر تعالى أنهم يفسرونها، ويتأولونها،ويضعونها على غير مواضعها، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، وهو أنهم يتصرفون فيمعانيها، ويحملونها على غير المراد، كما بدلوا حكم الرجم بالجلد، والتحميم معبقاء لفظ الرجم فيها، وكما أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، مع أنهم مأمورون بإقامة الحد، والقطع على الشريف والوضيع. فأما تبديل ألفاظها فقال قائلون: بأنها جميعها بدلت، وقال آخرون: لم تبدل، واحتجوا بقوله تعالى: ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُفِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ” (المائدة: 48) … وفي قصةاليهودي واليهودية الذين زنيا فقال لهم: ” ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ “.فقالوا: نفضحهم ويجلدون فأمرهم رسول الله …بإحضار التوراةفلما جاءوا بها، وجعلوا يقرؤونها ويكتمون آية الرجم التي فيها، ووضع عبد الله بنصور بأيده على آية الرجم، وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له رسول الله …: ” ارفع يدك يا أعور “.فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم فأمر رسول الله … برجمهما، وقال: ” اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه “. وعند أبي داود: أنهم لما جاؤوا بها نزع الوسادة من تحته فوضعها تحتها، وقال: آمنت بك وبمن أنزلك، وذكر بعضهم أنه قام لها ولم أقف على إسناده، والله أعلم.وهذا كله يشكل على ما يقوله كثير من المتكلمين وغيرهم، أن التوراة انقطع تواترها في زمن بخت نصر، ولم يبق من يحفظها إلا العزير، ثم العزيز إن كان نبياًفهو معصوم، والتواتر إلى المعصوم يكفي، اللهم إلا أن يقال: إنها لم تتواتر إليه، لكن بعده زكريا، ويحيى، وعيسى، وكلهم كانوا متمسكين بالتوراة، فلو لم تكنصحيحة معمولاً بها، لما اعتمدوا عليها وهم أنبياء معصومون.
جاء في سيرة ابن هشام الجزء الأول والروض الأنف الجزء الثاني: أن نبي المسلمين دخل ” بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو، والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد؟ قال على ملة إبراهيم ودينه قالا: فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما …: فهلم إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه. فأنزل الله تعالى فيهما: ” [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]“.
وهنا يستشهد نبي المسلمين بالتوراة ويطلب الحكم بما جاء فيها ويدعوها القرآن بكتاب الله ” يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ” رغم رفض اليهود لذلك!!
وجاء في نفس السيرة الجزء الأول وفي الروض الأنف الجزء الثاني أن رافع بن حارثة، وسلام بن مشكم، ومالك بن الصيف، ورافع بن حريملة، سألوه قائلين: ” يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق؟ قال بلى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من إحداثكم قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا، فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك، ولا نتبعك. فأنزل الله تعالى فيهم [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]“.
وهنا تأكيد صريح في إجابته على سؤالهم “ وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق؟ وقوله ” بلى “، أي نعم!! ولكنه يلومهم على جحدهم لما جاء فيها وكتمانهم ما أُمروا أن يبينوه للناس. ولكن لا يشير من قريب أو من بعيد لأي تغيير أو تبديل أو حذف أو إضافة فيها!!
وجاء في صحيح البخاري ” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان أهل الكتاب يقرءونالتوراةبالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله … لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم “.
وهنا لم يقل نبي المسلمين أن التوراة محرفة وإنما قال “ لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم “. لماذا؟ لأنه بعد ما حدث من إخفاء لآية الرجم في حادثة رجم اليهودي واليهودية، وبسبب تأويلاتهم وتفاسيرهم ولي لسانهم وإخفائهم لبعض الحقائق الموجودة في التوراة، وخاصة لأن التوراة كانت مكتوبة بالعبرية وكانوا يفسرونها ويؤولونها بالعربية قال لهم “ لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم “!!
جاء في الروض الأنف أن اليهود لما حكموا نبي المسلمين فيهم ” دعاهم بالتوراة وجلس حبر منهم يتلوها، وقد وضع يده على آية الرجم قال فضرب عبد الله بن سلام يد الحبر ثم قال هذه يا نبي الله آية الرجم يأبى أن يتلوها عليك “. وهنا قال ” فأنا أول من أحيا أمر الله وكتابه وعمل به ثم أمر بهما فرجما عند باب مسجده “.
ويكمل ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية: ” فأما تبديل ألفاظها فقال قائلون: بأنها جميعها بدلت، وقال آخرون: لم تبدل، واحتجوا بقوله تعالى: ” وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ” (المائدة: 48). وقوله: ” الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ” الآية (الأعراف: 157). وبقوله: ” قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” (آل عمران: 93). وبقصة الرجم، فإنهم كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر، وفي صحيح مسلم عن البراء بن عازب، وجابر بن عبد الله وفي السنن عن أبي هريرة وغيره، لما تحاكوا إلى رسول الله … في قصة اليهودي واليهودية الذين زنيا فقال لهم: ” ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ “. فقالوا: نفضحهم ويجلدون فأمرهم رسول الله … بإحضار التوراة فلما جاؤوا بها، وجعلوا يقرؤنها ويكتمون آية الرجم التي فيها، ووضع عبد الله بن صور يده على آية الرجم، وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له رسول الله …: ” ارفع يدك يا أعور “. فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم فأمر رسول الله … برجمهما، وقال: ” اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه “.
ويكمل بن كثير الدمشقي فيقول ” وعند أبي داود: أنهم لما جاؤوا بها نزع الوسادة من تحته فوضعها تحتها، وقال: آمنت بك وبمن أنزلك، وذكر بعضهم أنه قام لها ولم أقف على إسناده، والله أعلم.
وجاء في صحيح البخاري وسنن أبي داود إن اليهود جاءوا إلى نبي المسلمين فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم: ” ما تجدون في التوراة في شأنالرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوابالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها ومابعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم “. فأمر بهما فرجما “.
ووتتكرر نفس القصة في سنن ابن ماجه ” فقال هكذا تجدون في كتابكم حد الزاني قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزلالتوراةعلى موسى أهكذا تجدون حد الزاني قال لا ولولاأنك نشدتني لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم “. وهنا طبق حد الرجم وقال “ اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه وأمر به فرجم “.
وكذلك في مسند أحمد ” فقال ما تجدون في كتابكم فقالوا نسخم وجوههما ويخزيان فقالكذبتم إن فيها الرجم فأتوابالتوراةفاتلوها إن كنتمصادقين فجاءوابالتوراة وجاءوا بقارئ لهم أعور يقال له ابن صوريا فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه فقيل له ارفع يدكفرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا يا محمد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا “. فأمر بهما فرجما.
وجاء في صحيح مسلم أنه لما ” جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة علىمن زنى قالوا نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال فأتوابالتوراة إن كنتم صادقين فجاءوا بها فقرءوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله …مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم فأمر بهما رسول الله …فرجما “.

4 التأكيد على استحالة أن تكون التوراة قد فقدت فيما بين موسى والمسيح:

يقول ابن كثير ” وهذا كله يشكل على ما يقوله كثير من المتكلمين وغيرهم، أن التوراة انقطع تواترها في زمن بخت نصر، ولم يبق من يحفظها إلا العزير، ثم العزيز إن كان نبياً فهو معصوم، والتواتر إلى المعصوم يكفي، اللهم إلا أن يقال: إنها لم تتواتر إليه، لكن بعده زكريا، ويحيى، وعيسى، وكلهم كانوا متمسكين
بالتوراة، فلو لم تكن صحيحة معمولاً بها، لما اعتمدوا عليها وهم أنبياء معصومون … ولهذا حكم بالرجم قال: ” اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه “. وسألهم ما حملهم على هذا ولم تركوا أمر الله الذي بأيديهم؟ فقالوا: إن الزنا قد كثر في أشرافنا ولم يمكنا أن نقيمه عليهم، وكنا نرجم من زنى من ضعفائنا. قلنا تعالوا إلى أمر نصف نفعله مع الشريف والوضيع فاصطلحنا على الجلد والتحميم، فهذا من جملة تحريفهم وتبديلهم وتغييرهم وتأويلهم الباطل، وهذا إنما فعلوه في المعاني مع بقاء لفظ الرجم في كتابهم، كما دل عليه الحديث المتفق عليه.
فلهذا قال من قال: هذا من الناس إنه لم يقع تبديلهم إلا في المعاني، وإن الألفاظ باقية وهي حجة عليهم “.
” وقال تعالى: ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ … ” الآية (المائدة: 68). وهذا المذهب وهو القول بأن التبديل إنما وقع في معانيها لا في ألفاظها، حكاه البخاري عن ابن عباس في آخر كتابه الصحيح، وقرر عليه ولم يرده. وحكاه العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره عن أكثر المتكلمين “.

5 البخاري واستحالة تحريف التوراة والمزامير (الزبور) والإنجيل:

جاء في كتاب فتح الباري، شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني. المجلد الثالث عشر. كِتَاب التَّوْحِيدِ. بابقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍوَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ “. قَالَ قَتَادَةُ مَكْتُوبٌ يَسْطُرُونَيَخُطُّونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ مَا يَلْفِظُ مَايَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِوَقَالَ ابْنُعَبَّاسٍ يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُحَرِّفُونَ يُزِيلُونَ وَلَيْسَ أَحَدٌيُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُمْيُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِدِرَاسَتُهُمْتِلَاوَتُهُمْ وَاعِيَةٌ حَافِظَةٌ وَتَعِيَهَا تَحْفَظُهَا وَأُوحِيَ إِلَيَّهَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ بَلَغَ هَذَاالْقُرْآنُ فَهُوَ لَهُ نَذِيرٌ “.
مما سبقيتضح لنا أن التوراة التي كانت بين يدي المسيح والذي جاء مصدقا بها، كانت هي نفسها التوراة المنزلة من عند الله، وأنها كانت سليمة ومحفوظة والمسيح شاهد لها، كما أنها أيضا كانت بين يدي نبي المسلمين وأتي بها اليهود أمامه ورآها ولكنه لم يقرأها لأنه كانت مكتوبة بالعبرية ولكنه لم يشك فيها وأنه حكم بأحكامها وقال أنها هي نفسها توراة موسى المنزلة من عند الله ولم يقل أنها محرفة أو أنها قد تغيرت أو تبدلت، وما قيل عن التحريف فيها هو تأويل بعض اليهود لمعانيها دون أن يغيروا حرفها.
هذا ما جاء في القرآن وهذا ما جاء في أقدم كتب التراث الإسلامي، فهل من المعقول أن يساير بعض الأخوة المسلمين ما يكتبه النقاد الماديين ويقولون أنه لم تكنهناك توراة لا في أيام المسيح ولا قبله وإنما مجرد أساطير شعبية؟؟!!

هل من يُكذب كُتبه الذي يدعوها بالكرم ..؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

 
%d مدونون معجبون بهذه: